============== تم تحميل هذه القصه من موقع دنيا الألماس http://www.s12345.wapka.mobi/ =============== <<< طلال و سارة >>> (1) استفزني صوت امي وهي تنادي وتسأل من خلف باب غرفتي ... ( سارة .. مابعد جهزتي ؟؟ ) نظرت الى المرآة في غيض وتملكتني رغبة قوية بعدم الرد للحظات .. افقت منها وانا انظر الى عيني في المرآة وزفرت زفرة مكبوته وانا اجيب ( جاهزة جاهزة .. الحين باطلع ) مررت اصابعي بين خصلات شعري المنثور على اكتافي وتأوهت بعمق وبصوت مسموع لانني ادركت ان امي قد غادرت ولم يعد مايحملني على اخفاء غيضي ، خرجت من غرفتي وكالعادة في مثل هذه المناسبة التي طالما اسعدت امي في بدايتها وخيبت املها في نهايتها اتجهت الى المطبخ لاحمل صينية اكواب العصير التي جهزتها امي بكل عناية وحملتها بين يدي وانعكست اجزاء من ملامح وجهي الغاضب على سطح الصينية الفضي ..( يااربي .. معقول باظل مجبورة دائماً على هالحرج؟؟) دخلت الى مجلس النساء بعد ان استوقفتني لحظات خجلة من مواجهة كل هؤلاء النسوة ( يعني لازم كلهم يجون مايكفي امه ؟؟!!! ) مددت صينية العصير نحو اول الموجودات وانا اهرب بعيني من نظراتها الفاحصة ( هذي امه ) قلت لنفسي بينما انطلقت من شفتيها عبارات الاعجاب مختصرة في كلمة ( ماشاء الله ) مررت باقي اكواب العصير على الباقيات ( هذي امه .. لا هذي امه .. لا هذي !!! ) حدثت نفسي وانا محتارة ايهم تكون امه فكلهم متقاربات !! وضعت الصينية الفارغة على الطاولة وجاءني نداء من احداهن فنظرت اليها وهي تفسح لي مكاناً الى جوارها .. نظرت الى امي بقلق فابتسمت بإيماءة اوحت لي بان نفذي مايطلب منك .. جلست الى جوار المرأة ذات الابتسامة المتصنعة فقالت ( ماشاء الله .. صدقت ام بدر بنتك زي القمر الله يحرسها ) .. ابتسمت امي بفخر ورمقتها بنظرة خاطفة وقد ارتسم على وجهها الامل بينما عينيها بدت قلقة وشعرت انها تقول لنفسها ( يارب هالمرة تضبط ) مدت المرأة يدها بكل جرأة الى شعري واخذت تتلمسه وعينيها تجول في ملامح وجهي وجسدي وكأنني قطعة فاخرة معروضة للبيع .. كنت انظر الى امي بنظرات حرجة وكلي امل ان تطلب مني امي المغادرة او ترسلني لاي مكان يبعدني عن هذه المرأة المتطفلة .. ودار في عقلي احساس غريب سابق لأوانه ( اكيد هذي امه ... يااربي اذا هذي اولها الله يعين على تاليها ) وفجأة وقفت معتذرة وخرجت غير مبالية بنظرات امي الآمرة بالمكوث فلم اعد اطيق صبراً وانطلقت الى غرفتي ولاول مرة اشعر ان غرفتي حديقة غناء بل جنة اثرت خيال الشعراء .. ( يارب يروحون بسرعة ) قلتها وانا اخلع ملابسي المتكلفة وكأنها سلاسل تقيدني بقوة جاءني صوت امي مرة اخرى ( سارة .. افتحي الباب ) اتجهت الى الباب بعد ان بدلت ملابسي كي اقطع أي امل عند امي للعودة الى المجلس .... (2) فتحت الباب وانا اتحاشى النظر الى امي الغاضبة ( ليش طلعتي ؟؟) .. ( يايمه حرام عليك .. انتي ماشفتي الحرمة اشلون لاصقة فيني وعيونها طايرة كنها بتشتريني ) تجاهلت امي ماقلت قائلة ( خلاص بدلتي .. هذي انتي دايماً .. كل ماجاك نصيب طيرتيه ) وخرجت من غرفتي غاضبة بينما رميت بجسدي على السرير وكأن هماً قد انزاح عن صدري ( آآآآه الحمدلله راحوا وانتهت زي دايم ) .. كنت فرحة ولا ادري لماذا !! .. حقيقة لااعرف لم ارفض كل عريس يتقدم لخطبتي ؟ .. فانا كما يقول الجميع ( كاملة والكامل وجه الله ) .. ولكنني لااريد الزواج .. وافرح اذا طار العريس كما قالت امي ولا ادري لم ؟؟!! وضعت رأسي على وسادتي ورحت في نوم عميق جاء بعد لحظات من القلق انتهت براحة كبيرة ... بعد ان طار العريس !!! في مساء اليوم التالي دخلت الصالة لأجد والديّ مجتمعين يتبادلون حديثاً هامساً وحين رأتني امي سكتت وباشارة من يدها سكت والدي ملتفتاً الي .. لم يجل بخاطري ابداً عماهية الحديث فلكل زوجين اسرارهما .. سلمت وجلست .. نظر الي ابي وابتسامة تعلو شفتيه ( اخيراً ياسارة .. والله ان فراقك صعب بس وش الحيلة ؟ .. هذا مصير كل بنت ) الجمت الدهشة فمي .. وظللت انظر لأبي بصمت بينما قالت امي مؤكدة ( ايه الناس اللي البارح عجبتيهم واليوم ابو العريس بيجي مع الولد عشان يتفقون مع ابوك ) ثم اردفت بابتسامة مرحة ( اثاري طلعتك من المجلس فادتنا وانا مادري ) وقهقهت بارتياح وكأنني هم او مشكلة وجدت لها الحل اخيراً .. انطلق لساني المعقود يتساءل بذهول ( ليش ومتى ؟؟ ) ولم اعرف ماذا اقول فاسرعت الى غرفتي وانا احاول البكاء علني ارتاح مما اشعر به .. تمت خطبتي الى طلال ولم يطلب رؤيتي كان كل همه ان يكون الزواج في اسرع وقت .. ورفضت ذلك بشدة فانا لااعرفه ولايعرفني وابي لم يسأل عنه سوى اقاربه الذين سيشهدون بسلامته من كل عيب حتما .. كان رفضي للزواج السريع بمثابة الصاعقة على امي التي صرخت ( وبعدين معاك .. حنا ماصدقنا يتم لك هالنصيب وانتي مو راضية ) .. ( يايمة الله يهديك انا مارفضت الزواج .. انا رفضت الاستعجال فيه .. لان الرجال غريب ومانعرفه ) .. ( جارتنا ام بدر تعرفه هو واهله زين زين وتمدحهم كثير .. مال وجمال ومركز .. وش تبين اكثر من كذا ؟) حاولت الدفاع عن نفسي ولكنني ادركت ان كل ماسأقوله سيطير في الهواء امام عواصف امي الغاضبة ... (3) في غرفة العروس في احد الفنادق الفاخرة جلست بصمت انتظر دخول العريس .. كانت اول مرة اراه ويراني بها .. انتظرت بشوق غريب كان ممزوجاً بالقلق والخوف من العريس والمستقبل .. ماذا لو لم اعجبه او يعجبني ؟؟ .. سيكون كما يقولون ( وقع الفأس في الرأس ) ولن يكن بيدي أي حيلة .. هو سيطلقني ان لم اعجبه طبعاً وسيشق لنفسه طريقاً آخر وبداية اخرى مع عروس تلائمه .. ولكن انا .. ان طلقني ماذا سيحل بي ؟؟!! .. ياالهي يالها من كارثة ان يطلقني في اول ايام زواجنا .. ماذا ستفعل امي ؟؟ .. وكيف سيتصرف ابي ؟؟ .. ظلت اوهام وافكار قلقة كثيرة تراودني لا اساس لها .. وكنت اعلم انها أفكار سخيفة ولا يجب ان تخطر لي .. ولطالما كنت كذلك افكر في المستقبل وفي كل شيء اكثر مما ينبغي ربما لانني ذات شخصية قلقة وخائفة من المجهول .. ومن منا لايخاف من المجهول ؟.. ولكن الخوف منه يتفاوت من شخص الى آخر حسب شخصيته وطبعه وبيئته وانا كنت من اشد القلقين والخائفين من المستقبل .. ولربما كانت امي هي السبب لكوني كذلك .. فلطالما شعرت انها تضيق الخناق علي في كل امور حياتي حتى اعمل بما تريد .. في دراستي وفي زواجي وحتى في اختيار صديقاتي !! .. ظلت الافكار تتزاحم في عقلي .. ولم يقطعها سوى نحنحة رجولية جعلتني ارفع رأسي لارى طلال وجهاً لوجه لاول مرة .. كان مبتسماً وكأنه ادرك انه ايقظني من افكاري التي حملت عقلي بعيداً عن اجواء الفندق الصاخبة .. تسمرت عيناي في عينيه للحظات لم الحظ فيها يده الممدودة بكل احترام لتصافحني .. اطرقت برأسي بخجل ومددت يدي التي اخذها بين يديه قائلاً ( مبروك علينا بعض ) .. كان شاباً بين الخامسة والعشرين والثلاثين وسيماً بكل ماتعنيه الكلمة من معنى .. وبدا لي لبقاً من اول وهلة .. ولكن هل ياترى سيكون كما اراه الآن ؟؟؟ ارتعش كفي الصغير بين كفيه الرجوليتين .. جلس الى جواري وكأنه ادرك مايعتريني من قلق وافلت يدي برقة متناهية وهو يقول .. ( اخيراً شفنا بعض ياسارة .. بس بصراحة انتي احلى من الخيال بكثير ) .. عقدت حاجبي .. كدت انطق ولكن الخجل الجمني .. فحدثت نفسي ( اللي يسمعه يقول انه مشتاق يشوفني وهو حتى الرؤية الشرعية ماطلبها زي الاوادم والناس ) قال وكأنما فقه ماجال بصدري (يوم طلبنا نشوفك الوالد مع احترامي له , راسه والف سيف مانشوف بعض الا بعد الملكة .. بصراحة عادات عيلتكم قديمة ومندثرة .. عشان كذا عندت وطلبت اتزوج مرة وحده ) اذهلتني صراحته ..!! .. وبنفس الوقت فاجأتني .. فلم اكن اعرف ان والدي هو من رفض ان يراني العريس .. ولكن لماذا ؟! .. لم يكن هذا طبع والدي ولم تكن من عاداته او عادات أي من افراد عائلتنا وقبيلتنا اجمع .. تمالكت نفسي حتى لا اتسبب باحراج لنفسي او لوالدي امامه وتظاهرت بالهدوء وكانني اعرف ماحدث مسبقاً .. وفضلت ان ابين له مدى صراحته من اول يوم .. فقلت ( بسم الله ) .. اردت ان ينتبه انه لم يمر على تواجدنا معاً ولاول مرة سوى دقائق معدودة .. ابتسم ابتسامة واسعة ورمقني بنظرة ذات مغزى وكأنه فهم ماارمي اليه. لا انكر انني خفت من هذا الرجل ولم يرتح قلبي له من اول نظرة .. ولكنني حاولت تكذيب احساسي عل الآتي سيكون عكس مااتوقع في الصباح استيقظت على شخير قريب من اذني لم اعهده من قبل وفتحت عيني لأفاجأ للحظة انني لست بغرفتي في منزل اهلي تلك الحديقة الغناء التي يرتاح لها كل جزء من جسدي وعقلي ونفسي وانني انام الى جوار هذا الرجل الغريب في غرفة تكاد تكون مجهولة وكأنها كوكب آخر مليء بكل ماهو غريب وجديد .. هل تعرفون هذا الاحساس ..؟ .. هل تعرفون كيف تفيق الفتاة على جو جديد كلياً عليها ؟.. حين تجد نفسها مع رجل غريب تضمهما غرفة واحده وسقف واحد .. انه احساس اكثر من مفاجىء .. عادة يشكل سعادة لدى كل عروس ولكن في حالتي احاول ان اجد السعادة التي اعرفها في حديقتي المفقودة والتي افتقدها هنا .. في هذا العالم الجديد . .. دققت النظر الى وجهه البريء وهو يغط في سبات عميق وانا اتساءل ..هل ستستمر حياتي معه ؟ .. بدا لي شاباً سطحياً لايفكر .. لقد بدأ حياتنا بالعناد كما اشار ليلة البارحة ..!! .. وهذه بداية بعيدة كل البعد عن النجاح من وجهة نظري .. اردت ان اناقشه ولكنني اجهل شخصيته وخفت ان يدب بيننا _الشجار من اول ليلة ففضلت السكوت واعتبرته كعادتي ( ذهباً ) .. لااريد ان استبق الاحداث ولكنني افكر وافكر كثيراً بكل شيء .. ابعدت عيني عن وجهه ورفعت رأسي لارى وجهي يقابلني في المرآة .. ولاول مرة ارى نفسي فتاة يافعة مرتبطة بكائن لاتعرفه .. ياالهي مالذي يخبىء لي القدر من مفاجآت مع (عريس الغفلة )...؟؟؟ (4) في منزل اهله تزاحمت حولي النظرات الفضولية التي لم اجد بداً من مبادلتها بابتسامة مصطنعة .. كان تصرفهم معي نبيلاً وكريماً لابعد الحدود ولكنني لاحظت انهم يتحركون بريموت كنترول تملكه الام .. حتى زوجي كان يسير حيثما تريده هي ان يسير .. حاولت ألا أبالغ في الامر فهذا اول يوم اجتمع مع عائلته الكريمة ولايمكن ان تكون ملاحظتي واحساسي دقيقين الى هذه الدرجة . على مائدة الطعام جلس الى جوار امه وقد بدا عليه الدلال الواضح وكأنه طفل في العاشرة .. ضايقني هذا الامر .. وابتسمت بداخلي ( معقول اكون اغار !! .. وليش لا ؟ .. هذا زوجي وبعدنا عروسين يعني المفروض يجلس جنبي مو جنب امه ) قلت حانقة ..كنت انظر اليه بين لحظة واخرى .. عله ينتبه لغلطته ولكنه مع دلال امه كان لايكاد يراني او انها لاتريده هي ان يراني .. ( وليش تزوجه ؟ ) كان سؤالاً بديهياً طرأ لي .. ولوهلة شعرت انني في صراع مع هذه الام !! كانت اخته الكبرى تنظر الي بين الفينة والفينة وكأنها ادركت مااشعر به .. التقت عيناي بعينيها فابتسمت ثم نظرت لامها واخيها وهي تغمز بعينيها .. احسست انها تريد اخباري بامر ما .. او انها تريد تأكيد مااشعر به . بعد طعام الغداء جهزت نفسي للعودة لبيتي وقلت سائلة زوجي ( بنروح البيت ؟) فجاءني الجواب من امه ( لا يايمه اليوم مالكم مرواح للبيت .. الليلة بتنامون عندنا وبكرة الله يسهل عليكم ) رفعت حاجبي بدهشة .. انها تتحدث بلسانه وهو لايحرك ساكناً .. ثم انه امراً وليس طلباً , كانت متأكدة مما تقول وهو يبتسم مؤكداً , الآن بدأت اصدق ماتوقعت منذ وصولي الى هذا البيت .. فجلست مرغمة بعد ان رمقت طلال بنظرة مؤنبة وفضلت عدم المناقشة تجنباً لاي صدام مبكر بيننا .. وطبعا ً فضلت السكوت واعتبرته ( ذهباً ). كانت الحفلة في مساء ذلك اليوم البغيض بالنسبة لي عكس ماتوقعت فقد كانت رائعة وممتعة اجتمع فيها العديد من الفتيات اللاتي سعدت بصحبتهن من اول لقاء .. وكن طبعاً ( قريبات عريس الغفلة طلال ) .. كانت الغالبية من الآنسات .. وبصراحة استغربت كثيراً .. لم لم يتزوج طلال من احدى قريباته ؟؟؟ ... لقد بدون لي في قمة الاناقة والجمال !!.. فلماذا تركهن وخطبني انا ؟؟ !! اشغلت هذه الاسئلة فكري قليلاً وكعادتي بدأت افكر اكثر مما ينبغي واحلل الاسباب كما اريد او كما لا اريد ... انتشلتني اخت طلال الكبرى ( نورة ) من افكاري متسائلة بابتسامه خبيثة وهي تغمز بعينها ( وين رحتي نحن هنا ؟؟ .. والا البال ترك مجلس الحريم وراح مجلس الرجال ؟).. قهقهت بصوت مسموع وقهقهن الباقيات معها .. وشعرت بالحرج فابتسمت مجبرة حتى اغطي تفاهات اخته (المرحة ) همست لي احدى هؤلاء القريبات بعيداً عن سمع نورة ( تصدقين .. يوم قالوا ان خالتي اخطبت لطلال توقعت بتكونين على ذوقها .. وتخيلت شكلك ( يارب لك الحمد ) بس بصراحة طلعتي عكس ماتوقعت حلوة ماشاءالله عليك بس الله يعينك )... نظرت اليها متسائلة ولكن نورة قطعت علينا الحديث قائلة ( يالله ياعروس العشاء جاهز ولازم تكونين في المقدمة ) وسحبتني بيدي بينما ظلت عيناي تلاحقان تلك القريبة بنفس النظرات المتسائلة . (5) لم تسنح لي اية فرصة للتواجد مع تلك القريبة بمفردنا فقد ظلت نورة ملازمة لي طوال الفترة التي تلت العشاء لذا لم اجد بداً من اطلاق العنان لخيالي الواسع وافكاري المتضاربة متسائلة عما تقصده القريبة .. وبحق لم اجد أي جواب , ولاول مرة لم يقدني تفكيري بعيداً او حتى قريباً وكانني ابحث عن حل لقضية العرب اليوم !!! دلفت الى غرفة نومنا مع طلال بعد ان طبع قبلة حارة على وجنة امه ( تصبحين على خير ) قالها لها وهو يتجه معي نحو غرفتنا .. القى طلال بجسده على السرير وهو يقول بابتسامة ( اول مرة احس لغرفتي طعم ثاني ) .. ابتسمت بدوري لمجاملته اللطيفة وصارحته بانني كنت افضل قضاء الليلة في منزلنا بدلاً من منزل اهله , اقترب مني وقال بلطف اكثر ( ياحبيبتي هي ليلة وحده وبكرة بتشبعين ببيتنا ) ثم سألني فجأة ( هااه .. ماقلتيلي وش رايك بالحفلة الليلة ؟ ) ... ( بصراحة حلوة .. انبسطت كثير مع اهلك وقريباتك البنات ) قلتها وانا انظر الى عينيه ثم اردفت قبل ان ينطق ( ماشاءالله عندك كثير قريبات واغلبهم ماتزوجوا !!! ) ابتسم وهو يلقي برأسه على الوسادة وكفيه تحت رأسه ( الله يرزقهم ) .. بدأت احاول الدخول الى قلبه متسائلة ( يمكن تستغرب سؤالي .. بس بصراحة انا استغربت انك خطبتني وانت ماتعرفني وعندك كل هالبنات من قرايبكم ومافيهم عيب ماشاءالله !! .. يعني .. يعني ليش ماتزوجت من العائلة وخصوصاً ان مابيني وبينك تعارف ؟!! ) حينها جلس وهو يقول ( بكل بساطة ماابي اتزوج من العيلة .. وماكان فيه بنت معينه ففضلت ان الوالدة تختار لي عروس وكنت من نصيبي ... ) ثم اردف مازحاً ( وبعدين ماله داعي هالسؤال والا ترى بتخليني اعيد النظر وافكر في بنات عيلتي ) وضحك وضحكت معه .. شعرت بمدى غبائي .. فلم يكن من المفروض ان اساله هذا السؤال الاحمق .. نام هو .. اما انا فلم يغمض لي جفن .. كنت اتقلب على السرير وكانني اتقلب على جمر فالافكار تؤرقني .. اسئلة كثيرة تدور في عقلي ولا اجد لها اجوبة لارتاح .. لماذا قالت لي قريبته ( الله يعينك ) ؟!! هل يوجد سوء بزوجي ؟ ! .. ماالذي تعرفه هذه القريبة ولا اعرفه ؟!!! .. ثم استرجعت فجأة جلوسنا على مائدة الطعام .. تذكرت دلال زوجي بين يدي امه .... ( اهاااااا .. هذا اللي تقصده اكيييييد .. معقول !!!!! .. قصدها انه ولد امه !!.. يعني احساسي ماخاب .. بالعكس كان هذا واقع .. والدليل ان امه هي اللي اختارتني زي ماقال و(الله يعينك) زي ماقالت قريبته ) ارعبتني هذه الفكرة قليلاً ولكنني سألت نفسي واين المشكلة ؟.. المهم الا يكون طوع امرها في كل شيء .. هذا هو المهم فقط . اقنعت نفسي بان هذا ماتقصده القريبة حتى يرتاح فكري ولا اذهب به ابعد من ذلك ..ثم نظرت اليه وهو نائم بتأمل وخاطبت نفسي ( بكرة راح اطلب منه اننا نرجع بيتنا وماراح اتراجع عن قراري حتى لو امه اصرت اننا نبقى عندهم وباشوف شيصير ) ثم عدت الى وسادتي ونمت نوماً عميقاً .. 6) في اليوم التالي نفذت ماخططت له وكان لي مااردت وماادهشني او ربما ضايقني انه وامه لم يمانعا ابداً .. بل حتى لم يناقشاني .. !!! فبمجرد ان قلت انني اود العودة الى منزلي لم اجد أي رفض منهما وانما رحب زوجي بالفكرة حتى نستعد للسفر لقضاء شهر العسل .. وللحظة شعرت بالاحباط لانني لم اجد الفرصة لاثبات مارغبت باثباته .. فجهزت نفسي وعدنا ....... قبل السفر اتجهت لمنزل اهلي لاودعهم .. وهناك تجنبت النظر الى الممر المؤدي الى غرفة نومي فمازال الشوق يشدني لها .. وشعرت بحنين لكل شيء في بيت اهلي ... كان كل جزء منه يذكرني بالأمان الذي بت قلقة من فقدانه بين احضان العائلة الجديدة ... فلربما تعرف كل فتاة كيف تشعر في اول زيارة لها لمنزل عائلتها بعد الزواج ؟؟ .. انه شعور رائع ممزوج بقليل من الاسى لانها تسترجع ماودعته من اجمل الذكريات .. فمهما كانت هانئة في حياتها الزوجية يظل منزل الاهل محفوراً في الذاكرة بكل مافيه .. ومهما كان في هذه الذكريات من منغصات يظل الحنين يشدك لتلك الايام التي تكاد تكون خالية من كل هم .. هذا الشعور قد لاتشعر به كل عروس ولكنه قد يمر بالغالبية منهم .. وخصوصاً الخائفات مثلي من المجهول .. في بيت اهلي .. تبادلت مع امي عدة احاديث كان الغالب عليها حياتي الجديده .. فامي كأي ام تود الاطمئنان على حياة ابنتها في كنف زوج المستقبل لاسيما انها هي التي ضغطت علي للقبول بهذا الزوج .. كانت تسألني مراراً وتكراراً عن مدى راحتي وسعادتي معه مبدئياً طبعاً .. وكأنها تود ان اطمئنها لترتاح في داخلها لحسن اختيارها لهذا العريس سألتها ( فهمت من طلال ان ابوي هو اللي رفض انه يشوفني ..!!! .. ليش ؟!! ) ارتبكت امي وهي تجيب بتلعثم ( ااااا .. ماادري .. يمكن ابوك عنده وجهة نظر خاصة .. او يمكن يكون خايف عليك لايشوفك وبعد كذا مايصير نصيب ... لان هالسالفة صارت مع كثير قبلك والنتيجة ان البنات تعقدوا .. وخصوصاً اذا صار العريس ولد نعمه وشبعان زي طلال ) ابتسمت مرغمة لانني اعلم جيداً ان الامر لاعلاقة له بأبي كما تزعم امي وانما هي من ارادت الا يراني طلال لنفس الفكرة التي قالتها .. ( بس يايمه اعتقد انا مافيني شي يتعيب عشان يرفضني اذا شافني ) قلت معلقة .. فردت بارتباك اكثر ( يابنتي انا ابيلك الستر وبعدين وش لك بهالسالفة خلاص انت تزوجتي والحمدلله ..) ثم اردفت مغيرة مجرى الحديث ( المهم .. متى بتمشون لجدة ؟ ) نظرت اليها طويلاً قبل ان اجيب ( بكرة الفجر ان الله اراد ) وصلنا الى جدة .. قد تستغربون انني رفضت الذهاب خارج بلادي لقضاء شهر العسل .. فبالرغم من اصراره على السفر الى الخارج رفضت حتى استخراج جواز السفر .. لا لشيء الا لانني لا احب مفارقة بلادي ابداً .. احب كل شيء فيها ابتداء بالحرمين وانتهاء برمال الشاطىء .. فبلادي في نظري كنز عجز الكثيرين عن ايجاده والاستمتاع به .. اما انا .. فلا اجد أي متعة الا في هذا البلد .. وكم من حديث دار بيني وبين صديقاتي في الماضي في هذا المحور .. وكانت الاغلبية منهم طبعاً يستغربون لهذا التعلق ويرددون ( مافيه احد مايحب بلده بس السفر برا ماينمل وماينرفض ) وهؤلاء كن من وجهة نظري من الذين لم يتعرفوا بعد على هذا الكنز العظيم ولم يستمتعوا بامتلاكه .. فملكيته لاتعني الصورة الرسمية والحسية بل احساس رائع قل مايشعر به الناس اليوم .. وكان جوابي دائما ً ( هذا رأيي الخاص والخلاف في الرأي لايفسد للود قضية ) .. قلتها حتى لطلال الذي وجد نفسه مرغماً على مجاراتي لانني عروس ومن الصعب ان ( يزعلني ) .. واصريت ايضاً ان تكون الرحلة بالسيارة حتى انعم بكل حبة رمل في طريقي وبكل نسمة هواء ... بل وحتى بكل اسم مدينة او قرية تقابلنا في لوحات الطريق .. في جده استمتعت كثيراً بصحبة زوجي الذي وجدته شخصاً مرحاً لابعد الحدود .. فقد جعلني اشعر بقيمة الوقت الى جواره .. كم كان وقتاً عظيماً وسعيداً ولم يكن ينغصني الا رنين هاتفه الذي لم ينقطع منذ وصولنا .. بل وحتى طيلة طريقنا في السفر وكان المتصل طبعاً (( امه ))!! قلت له مداعبة ( وش رايك تقفل جوالك ؟؟ عشان نعرف نسولف ) اجابني دون ان ينظر الي ( مستحيل .. والله امي تروح فيها ) .. رفعت حاجبي في ذهول وقلت دون ان اشعر ( يااااه لهالدرجة عاااد ؟!!!!!!!! ) نظر الي مجيباً ( لهالدرجة واكثر .. ابيك تعرفين ياسارة ان امي اهم شي في حياتي ... آسف اني اقولها لك صريحة وحنا مابعد خلصنا شهر العسل , بس ابيك تعرفين هالنقطة زين .. امي كل شي يرضيها يرضيني وكل شي يزعلها يزعلني ) رسمت على شفتي ابتسامة وانا اقول ( كلام جميل .. بس اهم شي تعطي لكل ذي حق حقه ) اجاب ( طول ما امي راضية عنك تأكدي بتكونين في قمة السعادة ) .. اذهلني جوابه .. ولكنني تمالكت نفسي فكل شيء يتغير مع الوقت والايام .. حاولت اقناع نفسي بذلك بينما في داخلي كنت اسمع صرخة مكتومة منعتها من الخروج .. فما زال الوقت مبكراً ..... (7) عفواً .. قد تعتقدون انني من تلك النوعية التي تكره بلا سبب وخاصة ام الزوج .. صدقوني لايوجد بيني وبينها مايجعلني اكرهها .. وكل الامر منوط بمعاملة زوجي لي فانا لا ارفض علاقة زوجي بامه او تعلقه بها ولكن لكل شيء حد .. ولا ارضى ان يكون حبه وتفانيه لارضائها على حساب حياتي وسعادتي معه .. بعد مرور خمسة ايام على وجودنا في جدة جاءنا اتصال مفاجىء في وقت متأخر ايقظنا من النوم , نهض طلال كمن لدغته افعى ولم اكن بأفضل حالاً منه .. فالاتصال المتأخر غالباً مايثير هلعاً عند الاغلبية وبدأت الوساوس تحملني ذهاباً واياباً .. رد طلال بصوت مرتعش ( هلا يمه خير وش فيه ؟..... انا الحمدلله بخير .. وكلنا بخير .. وش صاير ؟ .. ) ذهب القلق من تعابير وجهه مما ساعدني على تخفيف حدة توتري وواصل حديثه بهدوء ( لاتخافين يايمه هذا حلم .. كلنا الحمدلله بخير .. اشلون ؟ .. يايمه اجازتي مابعد اخلصت .. لحووووول ... يايمه هذا حلم ... طيب طيب لاتبكين الفجر ان شاءالله راجعين .. خلاص يمه تكفين لاتبكين ... يالله مع السلامة ) اغلق هاتفه فبادرته سائلة ( وش صاير ؟ .. وش فيها امك؟؟ ) حك جبينه ثم نظر الي وقال ( بكرة راح نرجع للرياض ) رفعت حاجبي قائلة بدهشة ( بكرة !!!! ليش ؟؟!!) وضع رأسه على الوسادة ثم تنهد قائلا ( امي تعبانه شوي ) قلت بضيق مكبوت وبلهجة ساخرة( تعبانة والا حلمانة ؟؟) لم يجبني وانما قال وكأنه يعتذر ( معليش حبيبتي .. مضطرين نرجع بكرة واوعدك نقضي شهر عسل جديد في أي مكان تحبينه ) زممت شفتي حتى لاانفجر , عاد زوجي يقول بلطافة شديدة وكانما شعر بما يخالجني من شعور القهر ( هاه حياتي .. ممكن ننام الحين طالما ماشين الفجر ) وكعادتي حاولت ان اتمالك نفسي وسكت فالسكوت مازال من (ذهب). في الطريق املت رأسي جانباً متكئة على زجاج النافذة والصمت مخيم علينا الا من صوت عجلات السيارة وهي تصطدم بكل مايقابلها من رمال وهواء ميممة الى الرياض وضحكت بداخلي وانا اتخيل ان السيارة والعجلات يشاركوني مشاعري .. تنحنح طلال وهو ينظر الي مبتسماً , ولا ادري لِِمَ لم ارغب ان انظر اليه فوضعت يدي على رأسي متحججة بالصداع ( راسي يعورني يمكن لاني مانمت زين ..) ثم اردفت بنبرة ساخرة ملتفته اليه ( او يمكن الضغط ... ولو اني ماقد شكيت منه .. بس كل شي جايز ) فقه طلال لما اعنيه ولكنه قرر عدم الرد واكتفى بقوله ( طيب تبيني ادورلك على حبوب بنادول في الطريق ؟) اجبته بجفاف ( لا .. ماله داعي .. انا اذا راسي عورني علاجي اني اتم ساكته ) سكت وفضل ان يرد علي بزيادة سرعة السيارة حتى ينبهني بانه منزعج من طريقة ردي !! ضايقني شعوري بانه غاضب مني ولكنني امام كل مااشعر به من ضيق لم ارغب حتى بالنظر اليه .. ففضلت الصمت .. وبقينا على هذه الحال طيلة الطريق تقريباً ولم يقطع صمتنا سوى عبارات قليلة من وقت لآخر تتمثل في بعض الطلبات الروتينية على أي طريق سفر. ووصلنا .. اتجه بالسيارة الى منزل اهله متجاهلاً طلبي بان ينزلني في بيتي اولاً ( اول شي نسلم على الوالد والوالدة وبعدين لاحقين على البيت ) قالها بإصرار .. وتنهدت بصمت . في بيت اهله استقبلته امه باحضان قوية وكأنه جاء من اقصى الارض ! .. ولم تنتبه لوجودي الا بعد مضي دقائق مليئة بالتقبيل والتدليل و... والدموع ! .. بعدها احتضنتني بسرعة وافلتتني لترجع ابنها الى حضنها .. نظرت اليه بعد ان انتهينا من السلام على الجميع وقلت راجية ( طلال .. ممكن نمشي للبيت انا تعبانه وابي ارتاح ) ردت امه ..( ياحبيبتي اطلعي غرفتك فوق وارتاحي قد ماتبين .. انا طلال ماراح اتركه اليوم يطلع من البيت .. انا ماصدقت اشوفه ) لم اعرها أي اهتمام ووجهت نظراتي الى طلال الذي سكت واشار الي بحاجبيه وبابتسامة متوترة بان اهدأ .. صعدت الى غرفتي بعصبية .. ورميت بجسدي على السرير بانفاس متقطعة وانتظرت طلال علّه يلحق بي .. فهذه المرة لن اصمت بل ساقول له كل مااريد حتى ان اضطررت للصراخ فلربما تفهم امه انه قد كبر وتزوج ولديه مسؤوليات اخرى غير احضانها الحانية . فجأة دخل طلال .. اقترب مني وهو يقول بحزم ( سارة .. تصرفك ماله داعي .. ترى الوالدة ماعجبتها عصبيتك وطلعتك للغرفة بهالطريقة ) .. جن جنوني !!! الا يشعر بي ؟! كل همه رضى امه فقط ؟! وانا ؟؟؟ نظرت اليه والتقت عينانا بتحدٍ .. حاولت ان اكون هذه المرة قوية وشعرت به يحاول ان يصمد امام نظراتي الغاضبة .. ولكنني حقيقةً لاادري اينا سيصمد اكثر !!! 8) اخيراً .. نطقت .. قلت بغضب مكبوت ( اعتقد لي حق اذا زعلت وعصبت .. والا انت شايف غير كذا ؟) قال ببرود ( وليه؟) .. علت الدهشة وجهي وسالت نفسي هل هو جاد في سؤاله !! اجبته وانا اعبث بطرف (طرحتي) بعصبية واضحة ( وليه ؟؟؟ .. تبيني اجاوبك ؟ .. يعني انت ماتعرف الجواب ؟ .. يعني مو ملاحظ انك زودتها ومابعد مر على زواجنا اسبوع ... امك على عيني وراسي .. وتسمع كلامها ماقلنا شي .. بس انها تكلمني بلسانك لاااااا .. ) لم ينطق بل ظل يرمقني بنفس النظرات الباردة وكأنه لايهتم بِمَا اقول .. حينها اعدت عباءتي على رأسي وقلت دون ان انظر اليه ( يالله .. ودني بيت اهلي .. وبكذا نتعادل وكل واحد فينا يرجع لحضن امه ) ولاول مرة ارى طلال غاضباً , امسك بذراعي بقوة وهو يقول بعصبية ( انت تعانديني ؟ .. اذا وديتك بيت اهلك انت الخسرانة ) الجمتني المفاجأة ، فهذه اول نسمة هواء تهزنا واراه سيتخلى عني بلا تردد .. نعم .. بلا تردد .. كنت ارى هذا في عينيه .. وفجأة هدأت عصبيتي .. لا اعرف كيف تبددت ولم اعرف بم اجيب ؟؟؟!! ... بينما ترك ذراعي وخرج من الغرفة دون ان يلتفت الي ... تهالكت على السرير بينما انفجر شيء في داخلي وسال على خدي نهراً من دموع لم استطع ايقافها . تضاربت الافكار في رأسي .. بعضها يحرضني على الذهاب لبيت اهلي والبعض الآخر كان رحيماً بي ونصحني بالتأني فمازلت في بداية الطريق . بعد مرور وقت لااعرف مداه عاد طلال الى الغرفة .. لم انظر اليه , بل لم احرك ساكناً .. كنت اشعر ان كل شيء مظلم وضيق .. فمازلت عروساً احتاج الى التدليل والمراعاة .. ولم اكن اتوقع ابداً ان اجد منه هذا العنف وهذه القسوة .. وبدأ القلق يساورني .. فكيف ستكون حياتي معه وكيف سيكون الآتي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ جلس الى جواري ولم يتكلم .. كان واضحاً انه يريدني ان اعتذر .. فمثله من المدللين قلما يعتذرون .. لم اعره انتباهاً .. بقيت انظر الى لاشيء بعد ان جففت دموعي .. وحين شعر انني لن ابادره بالاعتذار او حتى الكلام ، استلقى على السرير ثم طلب مني اطفاء النور لانه ببساطة يريد ان ينام !!! .. لم احرك ساكناً .. ولم تكن هذه حركة مقصودة مني بل كنت اشعر انني لااستطيع الحراك او لااريد ان انظر اليه او حتى اسمعه .. اعاد علي الطلب بصيغة عصبية هذه المرة وانا كما انا .. نهض بغضب واطفأ النور وعاد الى السرير .. بدأ يتقلب على السرير ويزفر بغضب واضح .. ثم نهضت .. كنت اود الهروب الى أي مكان بعيداً عنه .. ولكن هيهات .. هل يوجد مأوى الا مأواه .. وهل يوجد مهرب الا اليه ؟! .. جلست على الاريكة واضأت نوراً خفيفاً حتى لاازعجه .. ولكنه نهض وجلس على كرسي مقابل لي .. تنهدت بقوة معلنةً نفاذ صبري .. اتكأ على فخذيه وهو ينظر الي ثم قال ( زعلانه مني ؟) .. رفرف شيء في داخلي .. شعرت بقليل من السعاده .. كنت اقاوم ظهورها على وجهي .. وددت ان ابدوا اكثر قوة وصرامة .. ولكن احساسي بشعوره بالذنب اسعدني .. وكنت متأكدة انني بمجرد ان يمسك بيدي سابكي واسامحه بلا نقاش .. وحقيقةً لا ادري لماذا ؟؟.. ولكنني ... احببته !!!! 9) شعر طلال بمافي داخلي ... فهو يشعر بكل مايخالجني دون ان انطق ولو انه لاينفذ مااريد دائماً !! ولطالما كنت اتمنى ان اجد من يفهمني .. فحياتي تكاد تكون خالية من الصديقات .. وصديقتي الوحيده هي امي التي لم ولن تفهمني يوماً ! .. وربما هذا هو ماجعلني احبه . قال بصوت حنون ( سارة .. مايصير نزعل من بعض وحنا بعدنا ( بسم الله ) ) وابتسم .. نظرت اليه وفهمت مايرمي اليه .. فقد كان يقلد تصرفي يوم زفافنا ليلطف من حدة التوتر بيننا ، وبصراحة كدت اضحك ولكنني تمالكت نفسي ولم ارد عليه ، وهذه هي انا ذات القلب الطيب كما تسميني امي فانا بنظرها لا اقوى على الزعل .. وان حدث فلا يتعدى الامر الا لحظات ! ولا ادري هل هذه حقيقة ام هو مجرد رأي امي الخاص بي .. حقاً لااعرف حتى شخصيتي !!! . وقف واقترب مني .. وحاولت جاهدة الا اعره انتباهاً .. جلس بجانبي وامسك بيدي التي حاولت ان اسحبها بلا جدوى فقد قبض عليها بقوة ولكنها قوة حنونه جعلت مشاعري تنساب سيلاً من دموع مما جعله يبادر بالاعتذار بسرعة وهو يمسح دموعي . وبكل بساطة سامحته واعتبرت ان الامر لايعدو على كونه غيمة سوداء خفيفة خيّمت على حياتنا ومااسرع ان غادرتنا . قد يظن البعض انني ضعيفة وقد يعتقد البعض ايضاً بانني متسامحة ليس الا !! ولكنني اعترف بضعفي .. فقد تعودت منذ صغري ان اكون ضعيفة .. نعم .. ضعيفة وارضخ بسهولة امام أي ضغط والسبب طبعاً امي !!.. لم تعودني يوماً على الاعتماد على نفسي ولم تساعدني على اتخاذ قراراتي بل لم تترك لي أي فرصة للدفاع عما اريد ورفض مالا اريد .. فنشأت فتاة بلا هدف ولا غاية وكل العالم في نظري اراه من خلال امي . مما يعني انني لااختلف كثيراً عن طلال !!! لقد رضيت بضعفي وعايشته وتأقلمت عليه ... لكنني لاارضى ان ارى طلال ضعيفاً !! .. قد يستغرب الكثير وجهة نظري .. ولكنني وبكل بساطة سأعيش تحت كنف هذا الرجل مابقي لي من عمر .. ولا ارغب ان اعيش بقية حياتي بين احضان الضعف الذي طالما تمنيت الفرار منه . نمت باجفان منتفخة ولكن قلبي كان راضياً فقد وعدني انه لن يغضبني ابداً واننا لن ننام خارج منزلنا بعد اليوم . في اليوم التالي كانت نظرات الغيرة الحارقة تنبعث من عيني امه وهي تراقبنا نخرج من بيتها .. احتضنت ابنها بقوة قبل مغادرتنا مودعة وكأنني سآخذه الى عالم آخر ولن تصل اليه .. لحظتها تمنيت فعلاً انني استطيع اخذه بعيداً ... بعيداً عنها وعن كل ماقد يعكر صفونا ، غادرنا الى بيتنا بعد الغداء .. اخبرته انني سأذهب في المساء الى بيت اهلي .. ابتسم قائلاً ( اوكي .. باوديك لبيت اهلك وامر على اهلي ) .. ( اهلك !! ) قلت بنبرة متعجبة لم استطع اخفاءها فلم تمر الا ساعات قليلة على مغادرتنا منزلهم !!!.. فاجابني بنعم دون ان ينظر الي ... تنهدت وسكت . مرت بي الايام سعيدة معه ولم ينغصها سوى غيرة امه وتصرفاتها التي لامبرر لها ، فتارةً تريد ان تراه في منتصف الليل وتارة اخرى ترجوه باكية ان ينام في بيتها .. تريده هو فقط ولاتريدني!!! كان يحاول جاهداً ارضاءها وارضائي في آن واحد ... حتى جاء اليوم المشؤوم .... كنت استعد للنوم في وقت متأخر من الليل بعد ان نام طلال فاذا بالهاتف يرن .. نظرت الى الرقم كان بيت اهله وبالتأكيد هي امه .. اهملت الاتصال وانصرفت الى غرفتي .. استمر الهاتف بالرنين المتواصل .. فقررت ان ارد حتى لايستيقظ طلال .. تصنعت النوم وانا اكلمها ( الو ... هلا خالتي .. الحمدلله بخير ... طلال ؟ ... طلال نايم .. تعرفين بكرة دوام ونام من بدري .... اشلون ؟؟؟ ... اصحيه ضروري ؟؟ .... ليه ؟؟ ) صرخت بي بان الامر مهم .. ايقظت طلال الذي نهض بتثاقل وكأنه يعرف مسبقاً ماتريد امه او ربما لانه اعتاد على ازعاجها الدائم بلا مبرر( الو ... هلا يمه ... ليش؟؟؟ ... ابوي سافر ؟؟؟!!!! .... ليش وش صاير ؟ ... متى صار هالحكي .. طيب طيب انا جاي الحين ) وضع السماعه والتفت الي بينما بدوت كالمشدوهه ... بدا واجماً وهو يقول ( جهزيلنا اغراضنا بسرعة راح نروح بيت اهلي ) قلت بضيق واضح متسائلة ( ليش ؟ ) ( ابوي سافر الطايف عشان عمي تعبان .. ولازم نقعد هاليومين ببيت اهلي لين يرجع ) وقفت للحظات متسمرة انظر اليه بروح قلقة فاقترابي من ام زوجي اشبه باقتراب النار من البنزين .. قال مكرراً ( يالله بسرعة جهزي اغراضنا .. وانا بابدل عشان نروح ) مضت لحظات قبل ان افيق من الصدمة .. قد يعتبرني البعض مبالغة فيما اقول ولكنني كنت اعاني من افكار وهموم وقلق نفسي حاد .. اجتمعت كلها في رأسي وقلبي وشعرت بضيق في صدري .. فلا احد يعرف مدى معاناتي من هذه المرأة وانا هنا في بيتي .. فكيف بي وانا اعيش معها في بيت واحد ؟؟؟ ... خنقتني العبرة واتجهت بخطى مثقلة الى غرفتي اجمع مانحتاجه في هذه الرحلة الكئيبة وكلي امل ان تنتهي هذه الايام القليلة بعددها والطويلة جداً بما سألقاه فيها .. على خير... وخرجت من بيتي بصمت مطبق على كلينا .. فهو كالمعتاد يعرف مااشعر به الآن ... (10) مرت تلك الليلة بسلام ... وفي الصباح استيقظت مع طلال كعادتي يومياً لأحضر له الفطور وفي المطبخ وجدتها امامي .. كانت تترنم وهي تعد الفطور بمتعة شديدة .. ولوهلة شعرت انها ضرتي وليست ام زوجي !! .. التفتت الي وقالت مبتسمة ( صباح الخير .. وش مصحيك هالحزة؟؟ ) بدا سؤالها غريباً لي ولكنني فقهت ماترمي اليه فقد سارعت واعدت فطور طلال الذي دخل المطبخ محيياً كلينا ( صباح الخير ) ثم قبل جبين امه و .. قبلني .. ادارت وجهها بسرعة وقالت بغضب ( عيب اللي تسوونه .. احترموا وجودي على الاقل ) تبادلت النظرات مع طلال الذي تساءل بدهشة ( وش صار يمه ؟!!! ) حملت صينية الفطور في يديها وخرجت وهي تقول بعصبية واضحة ( ماادري عنك .. والله طالت وشمخت ) فهمت ماتقصده وامسكت بيد طلال الذي كاد يتبعها خارجاً وهمست مبتسمة باستخفاف ( امك زعلانه علينا لانك حبيتني زي ماحبيتها ) .. لم يبتسم انما لحق بأمه التي وضعت الصينية على طاولة الطعام بعصبيه ، اراد طلال ان يتدارك غلطته بسرعة فقبّل يدها وهو يعتذر !!!! .. امام دهشتي . فضلت السكوت على مناقشته لانني اعرف رده مسبقاً ... ولانني مازلت مؤمنة ان السكوت في جميع الاحوال من( ذهب ). بعد خروجه استأذنت من خالتي (امه) لاذهب الى غرفتي لانام .. ولكنها فاجأتني بقولها ( وين ؟؟ .. بتتركيني بروحي وتروحين تنامين ؟) احترمت رغبتها ببقائي معها وغيرت رأيي بالذهاب ، جلست معها في الصالة فقالت دون ان تنظر الي ( انت عارفه ان البنات في الكلية والشغالة مسافرة فقبل ماتنامين اغسلي المواعين وخلصي باقي الشغل لان راسي يوجعني وابي اروح انام ) وقفت واتجهت لغرفتها دون ان تسمع ردي او حتى تعبرني بنظرة !! .. تبعتها بنظراتي الحيرى حتى توارت ثم تنهدت وفضلت تنفيذ ماطلبته مني تجنباً لاي صدام معها ومن باب انها ام زوجي وفي مقام امي وخدمتها واجبة ! قمت لافعل ماامرتني به وقلت لنفسي يجب ان احتمل حتى تنتهي هذه اليومين على خير.. بعد ذلك نمت . استيقظت على طرق قوي على باب غرفتي ، قمت فزعة وانطلقت نحو الباب ووجدتها تقف امامي مباشرة وهي تقول بلهجة آمرة ( زوجك قرب يجي قومي جهزي الغدا واعملي حساب للي في البيت ) وانصرفت . وقفت للحظات التقط فيها انفاسي .. ياالهي لقد اخافتني لدرجة كاد قلبي ان يقف ، زفرت بعصبية وولجت لغرفتي ( وبعدين مع هالحال .. اوووف متى بانتهي من هالكابوس ؟) بعد الغداء نامت خالتي وبناتها وقمت انا بكل واجبات المنزل بأمرها طبعاً وامام زوجي الذي لم يحرك ساكناً واكتفى بقوله مشجعاً ( برافو عليك ياعمري .. ترى داايم اقول لامي انك ست بيت شاطرة ) وابتسم وهو ينصرف لينام طبعاً . ضقت ذرعاً .. فماعدت احتمل .. انه اول يوم واشعر انني تحولت الى خادمة وزوجي لايأبه بما يحدث لي !! في المساء قررت ان اطلب منه الذهاب لمنزل اهلي ريثما يعود اباه .. تغير وجهه وقال بعصبية واضحة ( وش عندك تروحين لبيت اهلك .. ؟ ) ( ياطلال تعبت .. كل الشغل انا اسويه وخواتك وامك حاطين رجل على رجل وانت ماتتكلم ) ابتسم مستخفاً بكلامي بل انه ادار لي ظهره قائلاً بلا مبالاة ( تصبحين على خير ) هززته بكتفه بعصبية ( طلال اسمعني .. يااروح بيت اهلي يانرجع بيتنا .. لاني مليت وماعاد فيني صبر ) التفت الي وقال بهدوء ( ماراح يصير أي واحد من الاثنين .. راح نظل هنا لين يجي ابوي ) قلت راجية ( حرام عليك انا تعبت .... ) وفجأة وجدت وجهاً آخر يصرخ بغضب ( تعبتي من وشو ؟؟ من شوية شغل في البيت ؟؟ البنات عندهم دراسة وانت عارفه هالشي .. والا تبيني اخلي امي تشتغل وحضرتك جالسه .. هي كلها يومين ومو قادرة تتحملين؟) ثم غطى وجهه بالغطاء وتركني ... فكرت وقلت لنفسي انني ربما استعجلت بطلبي او بشكوتي فهذا اول يوم يمر علينا هنا وها انا بدأت بالتذمر .. اعرف ان هذا يضايق طلال لذا يجب ان اهدأ قليلاً . انا اعلم جيداً ان ماحدثت به نفسي للتو لايعدو على ان يكون مجرد ترويح للنفس للضعفاء امثالي.. فلا اعتقد ان أي فتاة بامكانها ان تعتبر هذا الامر طبيعياً .. كونها تحولت الى خادمة برضى زوجها ! ارحت رأسي على الوسادة ودب صراع بين افكاري والنوم وكانت الغلبة للنوم اخيراً بعد عناء يوم طويل . في اليوم التالي جاءنا اتصال من والد طلال .... عقدت الصدمة لساني حين عرفت انه سوف يبقى لاسبوع كامل لان اخاه مريض جداً ولن يستطيع مفارقته قبل ان يطمئن عليه .. كانت الفرحة تغمر خالتي بينما اشتعلت النار في قلبي وشعرت بالظلام يغمرني من كل جانب و .... رحت في غيبوبة لم اعرف مداها .. استيقظت على صوت طلال يقول بحنان بالغ ( هاااه .. كيفك هالحين حياتي ؟ ) نظرت اليه بعينان مرهقتان وقلت ( شاللي صار ؟ ) ( ماادري .. فجأة كذا طحتي علينا .. المهم انت هالحين كيفك ؟) .. كنا وحدنا في غرفتنا وسالته عن الوقت .. كان الوقت متأخراً .. ( يااااه .. كل هالوقت وانا نايمة ؟) ( خرعتيني عليك ياسارة .. بعد مافوقتك وتطمنت عليك خليتك تنامين براحتك ) ثم استدار وهو يقول ( باروح اطمن امي ، لانها انشغلت عليك مرة ) وخرج ... فكرت قليلاً لماذا لااستغل هذه الفرصة واكرر طلبي للذهاب لبيت اهلي ...؟ عاد بصحبة امه التي تصنعت القلق بمبالغة واضحة وهي تحتضنني وتقول ( الحمدلله على سلامتك يابعد عمري .. كذا تخرعيننا عليك ) تنهدت وبادلتها بابتسامة مصطنعة ( الله يسلمك خالتي ) ثم وجهت حديثي لطلال قائلة ( طلال لو سمحت بكرة الصبح ودني عند اهلي .. حاسة اني تعبانه ومحتاجه ارتاح عندهم شوي ) ردت خالتي بسرعه قاطعة الحديث على طلال ( ليش حبيبتي تروحين عند اهلك ؟ .. حنا نخدمك بعيوننا ... ) قاطعتها ( رجاء خالتي انا تعبانه وابي اروح لاهلي ) اعرف انني لم اكن لبقة في ردي ولكن نفاذ صبري منها هو ماحملني على هذا الرد ، نظر الي طلال ثم قال ( انا وامي وخواتي راح نهتم فيك .. لاتشيلين هم ) قلت بعصبية ( طلال ) رد علي بثبات ( سارة .. انتهينا ) التقت عينانا للحظات اطرقت فيها مستسلمة بينما ابتسمت امه وخرجت من الغرفة مودعة . (11) وكالعادة مر اليوم الثاني والثالث والرابع و(العذاب) مستمر .. ولم اجد أي اهتمام من خالتي الا بحضور طلال ، وبمجرد ان يغيب اجدها تعود لنفس معاملتها ( الغير انسانية ) معي . كانت كل لحظة تمر في بيتها تمثل عاماً كاملاً او ربما اعوام بالنسبة لي .. فهي بحق سيدة لاتُحتمل .. وكنت اصبّر نفسي دائماً ، فهاهي الايام تنقضي وسوف يفرج عني اخيراً وساعود الى بيتي .... وينتهي هذا العذاب . كنت اشعر بالوهن يدب في جسدي من ثقل مااشعر به ولكنني احاول ان اتجاوز محنتي واقوّي نفسي .. فمن ابتليت بزوج مثل زوجي لاتملك الكثير من الخيارات في حياتها .. إما الصبر او الطلاق ! واخيراً سطع القمر في السماء معلناً قدوم آخر ليلة ... نظرت الى القمر من نافذتي وابتسمت .. يااا ألله حتى القمر يبدو لي مختلفاً الليلة .. بدا لي مبتسماً وسعيداً وكأنه يشاركني فرحتي .. كنت انتظر ان تشرق الشمس بفارغ الصبر.. حتى انني لم اتمكن من النوم من فرط سعادتي ، فغداً سأعود لبيتي وينتهي هذا الهم .. استيقظت في الصباح بنشاط زائد وكنت قد اعددت كل شيء للعودة منذ ليلة امس فحقائبنا كلها جاهزة .. وبصراحة لااعرف كيف اصف شعوري وانا اغادر هذا المنزل .. حتى انني كنت اسمع صوتي يضحك بعمق في صدري !!... طبعاً في صدري .. فلايمكنني اظهار سعادتي امامها .. فهي تنتهز أي فرصة للايقاع بي امام زوجي لذا تجنبت حتى السير من امامها في هذا اليوم (المبارك) . قبل خروجنا .. بكت وعلى صياحها .. ولاول مرة اعرف بان لدي روح شريرة .. تكره وتحقد ... فمالذي قدمته لي حتى احبها ؟! ... لقد صيّرتني خادمة لها ولبناتها ... حتى عندما مرضت لم تهتم بي .. ولم تحاول حتى تقدير أي مجهود ابذله لارضاءها .. ولكنني لاالقي بكل اللوم عليها فالجزء الاكبر من اللوم يقع على عاتق زوجي العزيز. احتضنها طلال محاولاً تهدئتها .. ولكنها اصرت على البكاء والنحيب والعويل .. وكله بالطبع مصطنع!!! .. او ربما انا اشعر بذلك حتى لو كانت صادقة في مشاعرها .. قال طلال ( خلاص يمه خلاص .. تعالي نقعد .. والله مااروح وانت بهالحالة ) غلى الدم في عروقي .. وحاولت التماسك .. بينما كان هناك شيء ما في داخلي يصرخ بعنف .. الى متى هذا الضغط النفسي ؟ .. الى متى تتمالكين نفسك ولاتبدي مافي قلبك ؟ ... اصرخي واظهري غضبك .. او حتى انطقي واتركي عنك هذا الضعف . ولوهلة شعرت بصرخة خافته تخرج من بين شفتي فماعدت احتمل هذا الدلال الزائد بينهما . جلسا في الصالة بينما بقيت واقفة حتى اشعره بانني هذه المرة لن ابقى حتى لو غرق هذا المنزل بدموعها ( الغالية ) .. هدأت امه قليلاً .. قلت ( طلال ممكن نمشي .. ترى تعبت وانا واقفة ) نظر الي مؤنباً .. فما كان يجب ان اطلب منه الذهاب وترك امه العزيزة وسط ( حزنها ) لفراقنا او بالأصح لفراقه !! قام طلال واتجه نحوي وهمس لي ( معليش سارة .. بنبقى الليلة عند اهلي .. هي كلها ليلة واوعدك من بكرة نروح على البيت ) ... هذه المرة لم احتمل .. جرت الدماء في عروقي بقوة .. فما من احد يستطيع الاحتمال .. صرخت بغضب واضح متساءلة .. كان سؤالاً طالما سألته لنفسي ولكنه تحرر اليوم من صدري ( وليش تزوجك طالما تبيك جنبها ؟؟ ) تراجع طلال وكأنما ريحاً قوية عصفت به ونظر الي بنظرات مليئة بالدهشة والغضب .. ثم نظر الى امه التي بادلته نفس النظرات بل بدا لي انها تحفزه على اتخاذ موقف لتصرفي الغير لائق في نظرها . مرت لحظات قبل ان يقول بغضب مكبوت ( سارة .. وشهالحكي ؟) .. احسست بان لساني قد تحرر ولم يعد مايشد وثاقه فأجبته بنفس الاسلوب ( بصراحة هذا اللي اشوفه ... مو قادرة تستغني عنك او تفارقك .. ليش تزوجك طيب ؟ .. ليش تظلم بنت الناس ؟ ..) قاطعني صارخاً ( سارة .. وبعدين يعني ) لم يهمني صراخه بل تماديت .. قلت كل مااريد قوله ... ولاول مرة اخالف منطقي ومبادئي .. فلطالما كان السكوت في نظري ذهباً .. ولكنني الآن وفي هذه اللحظة بدا لي انه حديداً صدءاً.. قد تآكل ولم يعد يفيد ابداً ابداً .. ثرت اخيراً امام طلال وامه .. وكأنني بركان انفجر فجأة بعد طول خمود ... ولم يفقني من غضبي الا يد طلال التي انطبعت على وجهي بكل قسوة ... و .... وسقطت ارضاً امام عائلته التي تجمعت حولي وحول طلال .. الغاضب . كل شيء انتهى امام ناظري .. ولم تكتمل فرحتي التي عشتها منذ البارحة ... وانتهى اليوم (المبارك) نهايةً (مشؤومة) . (12) وجدت نفسي فجأة في غرفتي في بيت اهلي .. اعيد ترتيب ملابسي في خزانتي .. توقفت للحظة انظر لما حولي .. حاولت ان ارى حديقتي الغناء باشجارها الخضراء واوراقها الوارفة .. نظرت الى سقفها الذي كان يوماًً سماء زرقاء تحلق فيها الطيور وتغمرني بأمطارها التي صنعها خيالي الغض .. بحثت في زواياها عن ذلك الاحساس الغريب والسعيد الذي كان يغمرني وانا ارفل في محيطها .. اصغيت بصمت علّني اسمع صوت العصافير تشدو على افنان شماعتي التي كنت اراها شجرة باسقة مليئة بالزهور فيما مضى ... يااااااااه .. لماذا لا ارى كل هذا اليوم ؟؟ ... لماذا تغيرت غرفتي ؟؟!! .. لِمَ اضحت قبراً موحشاً كئيباً ؟ .. اطلت النظر اليها .. كان كل شيء فيها كما كان .. حتى امي لم تكن تدخلها الا لتنفض عنها الغبار وتنظفها من حين لآخر... هي اذاً لم تتغير !!! ... انا التي تغيرت ! هل يعقل ان اتغير ؟ ... لقد مر وقت طويل وانا اصحوا واغفوا على نفس الشخصية .. فتاة بلا صوت .. ابتسمت في داخلي وانا ارى نفسي زرافة صفراء طويلة تأكل من الاشجار الشوكية بلسانها دون ان تصرخ .. لانها وبكل بساطة لاتملك صوتاً .. مثلي ! قطع السكون الذي خيّم عليّ في غرفتي صوت طرقات امي على الباب ( سارة .. افتحي الباب) مضيت الى الباب بخطى متثاقلة ، ياالهي كنت اعرف ان هذا كله سيحدث لانني نطقت !!.. نعم .. فقط لانني نطقت اخيراً . قالت امي مؤنبة ( والحين .. عاجبتك هالحالة ؟ ) تحليت بالصبر ولم ارغب بالصراخ في وجه امي .. قالت مردفة ( جاوبيني .. عاجبك حالك هالحين ؟ .. طلال اكيد بيطلقك بعد اللي سويتيه ... اشلون تصارخين عليه وعلى امه بدون سبب ) رفعت رأسي اليها .. قلت بصوت مخنوق محاولةً الدفاع عن نفسي ( بدون سبب ؟ !! .. ) قاطعتني بلهجة غاضبة ( اسمعي ياسارة .. لازم تلحقين نفسك قبل مايرميلك طلال ورقتك بوجهك .. لازم تعتذرين له ولأمه لانك غلطتي عليها ..هذا اذا قبلوا اعتذارك .. وبعدين حنا ماعندنا بنات تتطلق .. حنا ماصدقنا افتكينا تبين ترجعين ومطلقة بعد ) ... وخرجت ... لا استطيع وصف شعوري تجاه كلمات امي الجارحة ... لقد ضربني .. ولم تعتبر امي هذا خطأ .. بل عقاباً استحقه ... بل استحق اكثر منه ... استحق الطلاق!!!!!!! لماذا ياامي ؟؟ ... اما آن لك ان تنظري الي بعينيّ الأم الحانية ؟ .. كل ماارغب به هو ان تأخذيني بين احضانك لارسل دموعي على صدرك .. تماماً كما تفعل أي ام ! .. لماذا تعامليني دائماً كما لو كنت ابنة زوجك ولست ابنتك ؟! .. زوجك !!!! ... واين هو زوجك ؟ .. ماهو دوره ؟؟ ... نعم .. ماهو دور ابي في عالمي الذي يحركه اثنان فقط .. امي وطلال ؟؟؟؟؟ وللحظة احسست ان العالم كله قد تخلى عني ... خيّم علي السواد .. امي تعتبرني عبئاً ثقيلاً تخلصت منه اخيراً وهاهو يعود اليها من جديد بثياب سوداء ... وابي .. اين هو ؟ .. انه حتى لم يخاطبني منذ عدت الى المنزل .. لانه .. غاضب مني !! .. جئت اليه شاكية .. فغضب مني ولم يكلمني ... اعلم ماستقولون عن عائلتي ... كيف انني لااعني لها شيئاً .. ليس الامر كذلك طبعاً .. انا ابنتهما ، وبالتأكيد يهتمان لامري .. ولكن اهتمامهما يتلخص في كلمة واحدة هي الزوج .. بغض النظر عن هويته او طباعه .. المهم انه رجل !! .. وهذه النظرة تسود عند الكثير من العوائل للاسف.. فالزواج في نظر الكثير ستر للبنت ... ولكنه احياناً كثيرة يفضح سريرتها بدلاً من سترها !! مر طيف طلال امام عيني بسرعة ... خفق فيها قلبي بقوة ... آآآآه ... رميت بجسدي على سريري وانسابت دموعي .. صرخت في داخلي .. لماذا ياطلال ؟؟ .. انا احبك ... كنت ابكي واوبخ نفسي على مافعلت ... وحين رفعت رأسي التقت عيني بصورتي في المرآة ... وفجأة .. قمت ووقفت امام المرآة وجهاً لوجه .. وقفت طويلاً انظر لنفسي وما آلت اليه حياتي .. مازلت ارى دموعي التي تجري على خدي دون توقف ... لماذا ؟؟؟ .. لِمَ يحدث لي كل هذا ؟؟ .. كيف وجدت نفسي بين ليلة وضحاها في بيت اهلي ؟؟ ... يااااااه ... كل هذا يحدث لانني نطقت ... لانني صرخت .... لانني بكل بساطة دافعت عن نفسي !!!.... كيف ساواجه امي وابي بعد اليوم ؟ ... كيف ساواجه طلال وامه ؟؟.... هل اعتذر لهما كما طلبت امي ؟؟...... مئة كيف والف لماذا دبت في رأسي المثقل بالهموم ... آآآآه .. زفرةٌ ملتهبة خرجت من صدري ... واطرقت للحظات مستسلمة لضعفي .. فكرت بصوت مسموع وبعقل متردد ... ساعتذر لأم زوجي .... امسكت برأسي بقوة وانا اصيح .. ماعدت قادرة على التفكير ولا استطيع اتخاذ أي قرار .. اذا اعتذرت فسأسلمها سيف الجلاد بيدي .. وان لم اعتذر ساعيش مابقي لي من عمر اتجرع اهانات اهلي وبالتأكيد ....... سافقد طلال للابد .. غاص قلبي في صدري لمجرد التفكير بانتهاء حياتي مع طلال .. صوت ما كان يتردد في اذني هامساً .. اعتذري .. ، .. بينما صاح صوت قوي في داخلي .. كفاكِ ضعفاً .. هذه كرامتكِ وذاك حبكِ ... فأيهما ترجحين ؟؟ رفعت رأسي من جديد انظر لعينيّ التي ارهقهما طول السهر والبكاء ... ولكنهما هذه المرة اقوى من أي وقت مضى . (13) في الصباح ، استيقظت على صوت امي تناديني لتناول الفطور ... فتحت عينيّ بتكاسل وحاولت النهوض ولكن جسدي المثقل اعاق حركتي ... لم استطع النهوض بنشاط فنومي ليلة البارحة جاء بعد عناء طويل لم ادرك مداه ولم ادرك حتى متى فارقني وكيف استسلمت للنوم ؟ نادتني امي للمرة الثانية فنهضت مرغمة ... وعلى مائدة الطعام كان يجلس والدي بوجه متجهم وهو ينظر الى الصحون التي انتثرت على المائدة بينما بدا ذهنه شارداً تماماً .. او هكذا خُيّل لي .. وجلسَت امي الى جواره تعد له كوباً من الحليب الساخن بصمت ،ولم يقطع صمتهما الا تحيتي عليهما ( صباح الخير ) ردا عليّ تحيتي دون ان ينظرا الي وقد بدا الغضب والضيق واضحاً في لهجتيهما .. فتجنبت الجلوس على المائدة وكأنني سأنجوا بجلدي ان لم اشاركهما الطعام ، نظَرَت اليّ امي اخيراً وهي تقول مستنكرة ( تعالي افطري ليش رايحة هناك ؟) اشرت اليها بيدي انني لاارغب في الطعام ، حينها تكلم والدي .. واهتز جسدي كله حين وجه كلامه لي متسائلاً بهدوء مصطنع ( والحين وش بتسوين؟ ) نظرت اليه .. بينما ارتجفت الكلمات على شفتي وانعقد لساني .. بالفعل .. على الرغم من هدوء ابي في البيت وعدم تدخله بكل مايخصنا الا ان قلبي اهتز من مجرد التفكير في مناقشته فيما حصل لي .. اعاد عليّ السؤال فاطرقت .. ياالهي ماذا اقول ؟ .. صحت في نفسي ، تكلمي .. قولي ماتريدين .. لقد عاهدت نفسك البارحة ان تفصحي عن كل ماترغبين به بكل صراحة وبدون خوف .. لماذا انت خائفة؟؟؟ تكلمي ... نعم تكلمي .... قال ابي بحدة ( ليش ماتتكلمين؟ ) .. نظرت اليه محاولة الثبات وانا اقول بصوت مرتجف ( يبه ... انا ابي اتطلق من طلال ) وقف والدي من شدة المفاجأة وهو يقول ( نعم ؟؟؟؟؟؟ ... تتطلقين ؟؟ .. والله هذا اللي ناقص بعد ) ارتجفت بشدة وحاولت التماسك فلو ضعفت الآن ... لن اقوى مجدداً ماحييت ... وقفت في مواجهة ابي وانا اكرر ماقلته لاشعورياً ... ثم اشحت بوجهي عنه ... فمواجهتي له تدب الرعب في قلبي ولربما ساكون اقوى لو تجنبت النظر اليه .. اعاد استنكاره بعصبية _اكثر فقلت وانا انصرف الى غرفتي ( آسفة يبه .. بس هذا قراري ) ثم اسرعت الى غرفتي متجاهلة كل ماقال وكل ماقد يفعل ... كنت اعلم انني اريد الهروب ولكنني لااعلم ابداً الى اين ؟؟!!!!! نظرت الى يدي .. ياالهي انهما ترتجفان بشدة ... انفاسي المتصاعدة تدل على قوة ضعفي ... ولكن قلبي كان يضحك رغم خفقانه القوي ... هاقد واجهت والدي اخيراً .. والعجيب ان امي لم تنطق ... ضحكت في داخلي وانا اتخيل ان المفاجأة قد ادخلتها في غيبوبة ... ولكن ذلك غير صحيح فهاهي تطرق الباب بشدة وهي تصيح ( افتحي ياسارة ... ) شاركها صوت والدي بينما تسمرت بين احضان سريري ملتزمة بصمتي معلنةً عدم الرضوخ لرأي أي منهما .... فلطالما عبث الجميع بحياتي ... وقد آن لي ان امسك بزمامي لانقذ مايمكن انقاذه من شخصيتي المهزوزة. وعبثاً حاولا معي لافتح الباب ... كنت استطيع ان ارى بعقلي كل مايدور في ذهنهما عني .. كيف انني تجاوزت حدودي لانني قررت اخيراً ان اتخذ اول قرار بنفسي دون اللجوء اليهما !!!!! واخيراً انصرفا .... وهكذا انتهت محاصرتي بسلام بعد ان كدت ان افقد كل سلاح تسلحت به وكل قوة استمديتها من ضعفي ! مرّ شهر واتبعه الآخر دون ان ارى طلال او اكلمه ... والضغط النفسي الذي يمارسانه عليّ امي وابي يزداد يوماً بعد يوم .. متجاهلين تماماً قراري .. وللحق حتى انا تجاهلت قراري وفضلت عدم الخوض فيه معهما فلربما الآتي يكون افضل !! .. ومن شدة همومي وكل مااشعر به من ضيق وكربات ... لم الحظ حتى انقطاع دورتي الشهرية !! .. كنت اشعر بالوهن يزداد يوماً بعد يوم .. ولكنني لم افكر ابداً في ماهية تعبي لانني اعتقدت وبكل بساطة ان الامر لايعدوا على ان يكون ازمة نفسية وستمر قريباً . وفي ذلك اليوم فاجأتني امي وهي تصيح بفرح ( ابشري ياسارة ... طلال هنا في المجلس مع ابوك ) ... مشاعر كثيرة امتزجت في قلبي ... وتدفقت الدماء في كل جزء من جسدي نابضاً لمجرد سماع اسم طلال ... لم اعرف ماذا اقول وبماذا اجيب ... فمشاعرالغضب والعتاب والسعاده والفرح و ... الحب .. كلها اجتمعت معاً لتكوّن صدمة اوقعتني ارضاً وغبت عن الوعي امام صرخات امي . حين افقت كنت انام على سريري والى جواري كان يجلس طلال وهو ينظر الي بعينين والهتين ، قال متلهفاً ( اشلونك ياسارة ) لم اصدق ان الذي ينظر الي هو طلال .. لقد بدا لي مريضاً وهزيلاً وكأنه يحمل الكون على عاتقه .. اشحت بوجهي عنه فلم ارغب حتى في مخاطبته .. قوى خفية كانت تجبرني على ذلك اما انا فوددت لو ارتمي بين ذراعيه لانثر دموعي على صدره فهاقد عاد من كنت انتظر . (14) لم استطع النظر في عيني طلال ... قد يجهل البعض مااشعر به ، بينما قد يفقه الكثير مايدفعني لهذا التصرف .. فما فعله بي مؤخراً يجبرني على النفور منه .. حتى لو كنت احبه !!...انا لاانكر انني شعرت بالضعف يدب في اوصالي حين تلاقت عينانا لاول مرة .. ولكنني تغلبت اخيراً على ضعفي .. وهذا الشعور اسعدني كثيراً .. بدا لي انه الجانب الوحيد المنير من كل ماحصل لي . نظر طلال الى والديّ وهو يقول بهلع ( الاغماءة هذي صارتلها قبل كذا .. المفروض آخذها المستشفى عشان نعرف وشفيها؟ ) قلت بحزم دون ان انظر اليه او لأيّ منهم ( ماابي المستشفى ... انتم خلوني في حالي وانا بخير ) نهرتني امي ( سارة وبعدين معاك ) اشار اليهما طلال بعينيه ليتركانا مع بعضنا ، حين انصرفا امسك طلال بيدي وهو يقول باسف ( سارة انا آسف على كل اللي صار ... صدقيني ... والله مو مصدق اني سويت كذا ! ... سامحيني ياسارة .. انا احس اني مخنوق ومو قادر اعيش بعيد عنك ) لم اجبه .. على الرغم من خفقان قلبي الشديد الذي كان يرقص طرباً من هذه الكلمات المعسولة ... الا انني لم اجرؤ حتى على النظر اليه فعيناي ستفضحان امري .. آآآآه اني اعترف انني ضعيفة جداً امام عينيه الدافئتين .. ولكنني ساتمالك نفسي حتى آخر لحظة .. فالعودة لحياتي مع طلال اصبحت مستحيلة بالنسبة لي ... وبمجرد احساسي انني بعيدة عن امه اشعر بأمانٍ عظيم لااعتقد انني سافرط به يوماً .. !! ، عاد طلال يعتذر من جديد ويقسم لي بانه نادم على كل مافعل وانني لم اكن استحق ماحصل لي ... كنت اسمع كلامه بهدوء دون ان اجيبه او انظر اليه .. فقد تعمدت ان اشعره بعدم مبالاتي بكل مايقول ... وحين لاحظ ذلك ... اخذ وجهي بين كفيه وهو يقول ( سارة طالعي فيني ... شوفي اللي قدامك ... انتِ شايفة اني طلال اللي تعرفينه ..؟؟ ... كل اللي يشوفوني ملاحظين علي اني تغيرت ... والله ياسارة ماادري وش سويتي فيني !!! .. مو قادر اعيش من دونك )... حاولت التهرب من النظر اليه ، ولكنني وقعت اخيراً في فخ عينيه ... تلاقت عينانا بصمت ... شعرت فيها انني مغرمة بهذا الرجل حتى الثمالة ... وانني كما هو تماماً ... لا ولن استطيع العيش بدونه ..!! .. قال وكأنما قرأ مابدا في عيني ( اعرف ان مالنا غير بعض ... اوعدك ياسارة...... ) قطعت عليه حديثه قائلة بحزم وانا اشيح بوجهي عنه ( طلقني ياطلال ) ... شلت الصدمة لسانه ... كنت متأكدة انه جاء وهو يعلم انه سيأخذني معه بمجرد ان يلاطفني ويعتذر ... بدا لي واثقاً من ذلك ... ولاول مرة لم يدرك طلال ما اخبئه في صدري ! قال بتلعثم ( سارة .. وش هالحكي ؟! ) قلت وانا اتصنع الثبات ( زي ماسمعت ... انا وانت ماننفع لبعض )... ابتسم باستخفاف وهو يقول ( اعقلي ياسارة وقومي جهزي اغراضك .. بيتك مستنيك ) قلت بلهجة ساخرة ( بيتي والا بيت اهلك ؟ ) ثم اردفت بنفس اللهجة ( والا يمكن فيه شغل في بيت اهلك مابعد خلص وارسلتك امك ( الله يحفظها ) عشان اجي وانظف ) تضايق من طريقتي في الكلام ولكنه تمالك نفسه ... وهذا الشيء اسعدني بشدة .. فقد اشعرني بمدى اهميتي .. وانني لست ضعيفة في نظره ! .. قال بصبر ( سارة ... وش تبين بالضبط؟؟ ) ياااااه... اخيراً ... اخيراً جاء اليوم الذي أُسأل فيه عما اريد ؟؟؟ ... طوال سنين عمري لم يسألني احد هذا السؤال ..!! .. فحياتي كانت اشبه بحياة دمية في يد طفلة تحركها ، تهبها الحياة ، تسيّرها كيف تشاء وتصنع لها حياة من محض خيالها دون ان تسألها ماتريد .. فهي دمية لاتنطق ولا تسمع ولا ترى .. ولا حتى تشعر !! .. ولاول مرة منذ بداية مشكلتي شعرت بانني لم اخطيء بحق نفسي حين انطقتُ لساني . قلت وكأنني استهويت ماافعل ( قلتلك ... طلقني ) اجاب بحيرة ( بهالبساطة ؟ ) نظرت اليه ثم تداركت نفسي وهربت بنظراتي بعيداً .. فشبح الضعف يتراءى امامي كلما التقت عينيّ بعينيه ، قلت ( انت تعتقد ان هالطلب جا ببساطة ؟!! ) جلس الى جواري وهو يقول بصوت حنون متجاهلاً تعليقي ( سارة ... اللي تسوينه اكبر غلط ... فكري فيني .. فكري فينا انا وانتِ ... انا مااقدر استغني عنك ... ) هنا ... نظرت اليه عاتبة وقد خنقتني العبرة وانا اقول بصوت مبحوح ( لكنك استغنيت ) وعبثاً حاول ان يأخذني بين ذراعيه ... فلم اترك له ادنى فرصة لينتهزها امام ضعفي بقربه ... قلت له وانا ادفعه عني ( للاسف ياطلال .. انت حطمت كل شي بيننا ... مااعتقد بيجي يوم نرجع فيه لبعض ) ثم ابعدت وجهي عنه مردفة ( لاتتعب نفسك ياطلال ... كل شي بيننا انتهى ) ... وقف وهو يحملق فيّ بعينين ملأهما الوله والذهول ومرت لحظات قبل ان ينطق ( تبيننا نتطلق ياسارة ؟؟!) قالها بصوت قتل كل شعور حاقد في داخلي ... وشعرت بانني ساقفز لاطير واحلق بعيداً معه .. ولكن وجه امه ظهر امامي فجأةً ... وعاد الصوت الخفي من جديد يعاتبني مستهتراً ويحفزني على الاستمرار فيما بدأت به ... فقلت وانا اطرق برأسي ( ماعاد ننفع لبعض ) واغمضت عينيّ بقوة لامنع ماتجمع فيهما من دموع عن الظهور حتى لايرى طلال مالا اريده ان يراه . خرج طلال بعد ان فقد أي امل للتفاهم معي ... واستطعت ان اقرأ كل مادار بعقله وهو يرمقني بنظراته الاخيرة والتائهه . زفرت زفرة ً قوية .. وبقيت للحظات انظر الى بابي المقفل بعد خروجه بنظرات والهه... حاولت اللحاق به .. ولكن شيئاً ما شلّ حركتي ... شيئاً ظل يطالبني ان اتمسك بقوتي التي حصلت عليها اخيراً ... لقد نجحت ... !! .. عدت اتساءل ... هل حقاً نجحت ؟؟! ... اهذا هو النجاح ؟؟ .. بدا لي ان هذا ماكنت اريده ... ولكنني في الحقيقة لااريده !!! ... غاص قلبي في صدري وانا ارى نفسي امسح اسم طلال من حياتي بيدي الى الابد ! .. هذا يعني انني لن اراه مجدداً ... لن يُسمح لي ان اسمع صوته او المس يديه ... سأبني بيدي جداراً من حديد بيننا ... سمعت صرخة مكتومة في داخلي ... لماذا فعلتِ ذلك ؟؟ ... بلهاء .. غبية .. ضعيفة .. نعم انا _ضعيفة .. اعترف بانني سافقد كل لذة للعيش ان ابتعدت عن طلال ... وقفت ... اردت اللحاق به .. صممت ان اعيده الي وامسك بيديه وارشف من معين عينيه حتى لو اضطررت انا للاعتذار !... فهذا طلال ... ولكن .. فجأةً .. لاح امام ناظري شبح امه فتراجعت بقوة وارتميت على السرير ... وانتهى كل امل في العودة اليه امام جبروت امه القاسية ... ومع وجودها ... عادت الرغبة في الطلاق تلح عليّ من جديد ... وبقوة . (15) مرت الايام تلو الايام ... ولم احصل على الطلاق الذي طلبته ... وماادهشني ان والديّ لم يتطرقا لموضوع الطلاق معي ابداً وكأن الامر لايعنيهما ... او بالاصح .. كانه لاوجود له مطلقاً !!! لم يسأل عني طلال طيلة هذه المدة ... مما زاد من شكوكي .. وشعرت ان هناك مؤامرة تحاك ضدي .. كان واضحاً ان الجميع متفق على امر ما انا لا اعلمه .. بل انا الوحيدة التي لاتعلم . ازعجتني هذه الفكرة كثيراً .. فها انا اعود من جديد الى نقطة البداية ... انتابني الضيق لمجرد احساسي بان الكل يستخف بي .. اذاً .. كنت واهمة ... لم يرني احد قوية مثلما خيّل لي .. !! قررت مواجهة امي وسؤالها عمايحصل .. لم يكن جوابها شافياً .. (اتصلي على طلال واسأليه .. هالشي بينك وبينه ) .. قالت لي ذلك وهي تهز كتفيها بلا مبالاة .. ثم انصرفت الى المطبخ وتركتني حائرة ! في المساء .. رن جرس الباب .. لم نكن في انتظار ايّ زائر !.. وكانت المفاجأة ان الزائر او على الاصح الزائرة هي .... ام طلال !!! حين عرفت انها هي اسرعت الى غرفتي حتى لايتسنى لها التمتع بان تشمت بي وبما آل اليه حالي ، ومرت لحظات قبل ان تأتي امي وتطالبني بالخروج للسلام على (خالتي) ... رفضت بشدة فانا لا اريد ان اراها .. بل لا اطيق رؤيتها .. ولكن امي نهرتني فمهما حدث تظل امرأة كبيرة ومن (سوء الادب) الا اخرج للسلام عليها !!... وبعد الحاح امي الشديد خرجت .. سلمت عليها وجلست .. قالت بابتسامة ماكرة ( انا ماحبيت اجي الا بعد ماتاخذين وقتك وترتاحين عند اهلك ... وابيك تعرفين اني مسامحتك على كل اللي صار ) رفعت حاجبيّ بدهشة .. هل هي من يجب ان تسامحني ؟!.. ام انا التي عليّ مسامحتها ؟.. هذا ان كان باستطاعتي ذلك . فضلت السكوت ... فقد سبق ان حسمت الامر مع طلال ولا حاجة لي بمجاراتها في حديثٍ لا معنى له ، وقَفْتُ وانا استأذن بالانصراف الى غرفتي .. ولكنها قاطعتني قائلة ( اقعدي ياسارة ... لو سمحتي ابي اتكلم معاك ) قلت بهدوء ( مااعتقد يفيد الكلام ياخالتي .. انا وطلال اتفقنا على الطلاق .. واكيد عندك خبر ) وحين هممت بالانصراف محاولةً قطع أي امل لها بالحديث معي فاجأتني بسؤالها ( وشفيك ياسارة عسى ماشر .. شكلك ذابلة ووجهك اصفر؟ ) نظرت اليها بسرعة ... كانت تنظر الي بعينين فاحصتين ... اجبتها على الفور بلهجة ساخرة ( لا سلامتك مافيني شي .. انتي شايفة فيني شي ؟) وقَفَت واقتربت مني ومازالت عيناها تحدقان بي ثم قالت متسائلة ( تحسين باعراض معينه ؟ ) نفذ صبري فاجبتها وانا احاول الانصراف ( مااحس ولا بشي .. ماغير ضيقة كابسة على انفاسي .. عن اذنكم ) ولكنها امسكت بي وهي تقول ( دورتك منقطعة ياسارة .. صح ؟؟ ) فاجأني سؤالها .. واهتز جسدي حين ادركت ماتعنيه .. وقفت للحظات ذاهلة انظر اليها بقلق .. مئات الاسئلة تدور في ذهني .. وضعت يدي على بطني ... ياالهي ... كيف لم انتبه لذلك ؟ ... لايمكن ان يكون ماتقصده صحيحاً ... اذهلتني المفاجأة حتى انني لم اقوى على الحراك ... كيف غاب هذا الامر عن ذهني ؟!! .. كيف مرت هذه الشهور دون ان انتبه لانقطاع دورتي ؟؟!!!!!! بدوت حمقاء امام امي وامامها ... تسمرت للحظات افكر فيما قالت ... ثم اجبت بتلعثم واضح وانا احاول بلع ريقي بصعوبة ( دو .. دور .. دورتي ؟؟ ... انا... انا مو فاهمة ايش تقصدين ؟ ) ابتسمت بمكر واتسعت ابتسامتها وكأنها ادركت مادار بخلدي ... او علمت انها انتصرت عليّ اخيراً . قالت بخبث ( انتِ عارفه وش اقصد .. من متى ودورتك منقطعة ؟ .. ) نظرت الى امي مستنجدة وانا اعرف تماما ان استنجادي بها كمن يستنجد بالرمضاء من النار .. فوجدتها تبتسم بسعاده تكاد تخرج من عينيها .. ثم وقفت بدورها وهي تقول موجهة الكلام لخالتي بينما اتجهت عيناها نحوي ( قصدك يا ام طلال ان سارة ... ) ولم تكمل عبارتها لان خالتي هزت رأسها بايجاب وهي تبتسم .. بدت واثقة من اجابتها ... صحت فيهما بشفتين مرتجفتين ( انا ايش ؟؟؟ .. وش تقصدون ؟؟ .. فهموني ) ... نظرتا الي بحنان بالغ وهما تقولان بصوت واحد ( انتِي حامل ) ... عقدت الدهشة لساني ... كان وقع الخبر عليّ شديداً .. على الرغم من انني ادركت ماقالتاه قبل ان تنطقا ... ولكن اللفظ كان اصعب مما تردد في مخيلتي ... تهالكت على اقرب مقعد وقد دار الكون من حولي ... وانطلقت آهه من بين انفاسي الحرّا والمتقطعة .. ولكنها ضاعت بين زغاريد خالتي وامي . شعور غريب انتابني وانا اتحسس بطني حيث ينام جزء من طلال بين أحشائه ... كنت متمددة على سريري بعد ان اقفلت باب غرفتي حتى لااسمح لاحد بالتطفل علي .. ماذا لو كان ماقالتاه امي وخالتي غير صحيح ؟! .. فحتى هذه اللحظة ... لم اجرِ أي اختبار للحمل مما يعني ان الامر غير اكيد .. !! ... لا اعرف كيف اصف شعوري بالضبط وانا ارى الخبر يتأرجح بين كفتي الصح والخطأ ... هل انا تعيسة لانني حامل ؟ .. آآه لو كان الوضع مختلف ... فقط لو كان مختلف .. يااا الله .. لقد جاء هذا الحمل في وقت غير مناسب البته ... فانا غير سعيده به .. ولا ادري هل لانه طفل طلال او لانه حفيد ام طلال ؟ .. ومن جهة اخرى جزء في داخلي كان مغموراً بالسعاده .. ! ولا ادري ايضاً لماذا ؟! .. هل هو شعور الامومة التي تتمناها كل فتاة .. ؟ ام هو احساسي بان طفل طلال ينمو في داخلي ؟؟؟ .. امسكت برأسي بين يدي وقررت ان اجري اختبار الحمل لعل مااعتقدتاه امي وخالتي غير صحيح . (16) باعصاب متوترة جلست في ردهة المستشفى انتظر قدوم الممرضة التي اخذت عينة من دمي لعرضها للتحليل الفوري ... كنت ارقب الممر الذي اختفت فيه بقلق واضح .. ادركت امي مااشعر به فقالت وهي تربت على كتفي بحنان ( اهدي يا حبيبتي ... هالحين تجي الممرضة كلها ساعة زمن ) .. تشابكت اصابع يدي بقوة وجف لعابي ... كنت اهز ركبتيّ بعنف دون ان _اشعر فقد تأخرت الممرضة .. قالت نصف ساعة وتأتي بالنتيجة .. ولكن خمس دقائق انقضت بعد النصف ساعة المزعومة وانا انتظر ... يااااه .. خمس دقائق بدت لي وكأنها دهر !!! ... ولكن لِمَ انا قلقة ؟؟ ... هل ارغب بأن يكون الجواب سلبياً ؟ ... نعم ... فهذا ماجئت من اجله ... ولكن لِمَ يغالبني الشعور بانني ساصاب بالاحباط لو كانت النتيجة سلبية ..؟! .. فهل انا حقاً لا اريد هذا الحمل ؟؟؟!!! في خارج تلك الردهة .. كان هناك من يشاطرني هذا الاحساس المقلق ... انه بالطبع .. طلال .. الذي اصر على ان يأخذني بنفسه لاجراء هذا الاختبار ولكنه امام رفضي قرر اللحاق بنا بسيارته حتى يطمئن عليّ ... وعلى النتيجة التي بدا واثقاً من ايجابيتها ... كنت اشعر بالسعادة تغمره دون ان يتكلم .. يكفي فقط ان انظر الى عينيه لارى ذلك ... قلت له في نفسي وانا انظر للهفته .. تمهل ياعزيزي ... فما زال الامر في علم الغيب .. ! جاءت الممرضة وفي يدها ورقة وهي تقول بلا مبالاة ( مين سارة ؟ ) قلت بسرعة وانا ارفع يدي ( انا ) لم اكن اعرف في هذه اللحظة ماذا افعل ؟؟!! ... هل اقف ؟ ام اظل في مقعدي ؟؟... بدا لي ان كل ما اراه امامي هو هذه الممرضة وكل مايتردد في سمعي هو صوتها ... وجاءتني المفاجأة ( مبروك .. حامل ) ابتسمَت بهدوء ثم انصرفت ... بينما ظلت عيناي معلقتان على مكان وقوفها دون حراك ، احتضنتني امي بسعادة بالغة .. ثم اخذتني بيدي وخرجنا الى حيث يقف طلال وابي .. سرت معها دون ان اشعر ... يا الهي مالعمل ؟؟ .. استقبلنا طلال باعصاب مشدودة وهو يسابق ابي ليسألنا بقلق ( هااه .. بشروا ..؟؟؟ ) قالت امي بفرح شديد ( مبروك ياطلال بتصير اب ) ... غمرت السعادة طلال ... ضحك بشدة وهويحتضن امي و يقبل رأسها ثم احتضنه ابي مباركاً ... كان سعيداً جداً ... ليس هو فقط !! ... بل كل من حولي .. الا انا !!!!!! حين اقترب مني طلال ليشاركني فرحتنا .. لم اعطه أي فرصة لذلك .. بل انطلقت الى السيارة وانا اقول موجهة كلامي لابي ( يالله يبه ... انا تعبانه وابي ارتاح ) وركبت في السيارة متجاهلةً طلال الذي تابعني بعينين منكسرتين ملأهما الاحباط ... والاسى . اعتذر والديّ من طلال ولحقا بي وانطلقنا الى المنزل بصمت .. لم يفتح والديّ فمهما ابداً طيلة الطريق ...!! .. وللحق .. فقد استغربت سكوتهما ... لانني كنت انتظر منهما ان ينهراني كالعادة ..!! ولكنني عللته بخوفهما عليّ من الغضب والعصبية وانا مازلت في بداية حملي . في المنزل لم يتكلما معي ايضاً .. تركاني اذهب الى غرفتي بهدوء !! ... وعلى سريري .. احتضنت وسادتي ... وبكيت ... مرّ وقت طويل وانا ابكي ... لم اكن اعرف لماذا ؟؟!! ... وازداد بكائي اكثر حين تذكرت نظرات طلال وانا اصعد سيارة ابي غير مبالية بفرحته ... حينها .. تملكني احساس مريع بانني قتلت كل فرحة في قلبه !! فتحول بكائي الى نحيب , اذاً لم يكن حملي هو سبب بكائي كما كنت اعتقد ... بل كان شيء اكبر من ذلك ... كان قلبي المحطم الذي تركته يرمقني امام بوابة المستشفى دون ادنى اهتمام مني ... !.. ياالهي .. كيف استطعت ان اكون قاسية بهذا الشكل ؟؟ وفجأةً .. برق وميض في داخلي ارتجف له قلبي .. اطرقت برأسي وانا انظر الى بطني .. وللمرة الثانية غمرني شعور غريب وانا اتحسس بطني من جديد ... هاهو .. انه موجود في داخلي ... انه طفل طلال .. تأكدت الآن من وجوده ... كانت الغرابة تتمثل في سعادتي من الداخل بهذا الحمل !!! فلماذا قد اسعد به وانا على وشك الانفصال عن والده !!! ؟؟؟؟؟ ... عدت الى البكاء وقد لاحت امامي صورة طلال ... خيّل الي انني اراه يودعني وسط دموعه ... كنت ارى بوضوح دموعي وهي تجري بلا توقف لوعةً على فراقه ..!... نعم دموعي ... انني احبه ... احبه بجنون .. امسكت رأسي وانا اقول ذلك وزادت دموعي ... كيف سأفارقه ؟؟ ... كيف استطيع ذلك ؟؟ فماعدت ابصر سواه ولا اشعر بوجود الكون من حولي بدونه ارهقني البكاء كثيراً حتى انني نمت دون ان اشعر .. مر وقت طويل قبل ان توقظني امي مساءً لان طلال واهله جاءوا للسلام عليّ وتقديم التهنئة ... اخبرت امي انني لاارغب برؤية احد منهم ... وكنت واثقة انه لو كان بمفرده لكنت خرجت على الفور .. اقنعتني امي بلطافة ... نعم ... اقنعتني ولم تنهرني هذه المرة .. !!! نهضت من سريري بتثاقل فقد بدأ الآن شعوري بارهاق الحمل الذي كنت غافلة عنه فيما مضى !! .. او ربما لم اكن اشعر بتعبه وسط كل ماكان حولي من هموم !!!! خرجت للسلام على طلال واهله ... كان يتوسط اختيه حين دخلت ... قام وتقدم نحوي مرحباً وهو يدعوني مبتسماً ( ياهلا والله بأم سالم ) .. ام سالم ؟!! .. بدت لي كنيةً جديدة وغير محببة ... ولكنني سكت وسلمت على بقية عائلته الكريمة ... احتضنتني نورة بقوة وهي تقول ( اشتقتلك والله .. حرام عليك .. كل ذي غيبة ) بادلتها شوقها ( المزعوم ) بابتسامة باردة ... وجلست . بقيت صامته طيلة الوقت ... كل جزء مني ارتدى لباس الصمت حتى عيني .. كانت نظراتي معلقة على لاشيء .. ولايهمني اين انظر طالما انني لا ارى امه وعائلته و... حتى هو . قال طلال مبتسماً بارتباك ( المفروض نحتفل بهالخبر الحلو .. والا انتم اشرايكم ) سمعت كلماته وسمعت تعليقاتهم التي ايّدت رأيه دون ان انظر اليهم .. وفجأة .. وقفت بصمت .. وامام تساؤلاتهم ونظراتهم الذاهلة دلفت الى غرفتي بهدوء واقفلت الباب على نفسي .... بصراحة ... لم اكن افعل كل ذلك بقصد ... كنت اشعر ان هناك يداً خفية تسحبني معها اينما تريد وتحركني كيفما تشتهي .. ولا اعرف بالضبط ماهية شعوري ازاء مايحصل لي .. ومع ذلك كنت اشعر في قرارة نفسي ان ماافعله صحيحاً .. لمجرد انه يريحني ..! وضعت رأسي على وسادتي .. ولاول مرة استسلم للنوم دون ان اتخبط في افكاري التي لاترحمني ... ودون ان يرقص امامي شبح طلال الذي طالما ارّق اجفاني . 17) استيقظت في اليوم التالي على طرق امي ( سارة ... قومي يايمة ماينفع تنامين طول هالوقت .. ارحمي نفسك واللي في بطنك ) فتحت عينيّ وظللت للحظات انظر الى السقف وقد لمحت نوراً خفيفاً يدخل من نافذة غرفتي ... رباه .. انه الصباح ... لقد نمت طويلاً ... وقد غادر طلال واهله !!! .. هذا اكيد . نهضت من سريري والارهاق قد اخذ مني كل مأخذ .. شعور فضيع بالغثيان ينتابني .. ياالهي ماهذا الدوار؟؟ .. كل شيء في غرفتي يتحرك ويدور .. آآآه .. ان معدتي تؤلمني بشدة .. انطلقت بسرعة الى الحمام ... وافرغت كل مافي جوفي ... واستسلمت بعدها لنوبة بكاء حادة .. اسرعت امي على اثرها لتهدئتي ... كنت افكر وافكر .. ماهذا النحس الذي يلاحقني ؟؟ .. انني اجهل ماسأفعله .. فلم يكن هذا الطفل من ضمن مخططاتي المستقبلية .. !! كنت قد اعلنت قراري بالطلاق للجميع وقد تقبلوا ذلك دون نقاش ... او هذا ماتخيلته على الاقل .. اخرجتني امي الى الصالة واجلستني على الاريكة لأتمدد وارتاح ريثما تحضر لي ما آكله , ورن جرس الباب ... تعجبت وانا انظر الى الساعة .. انها الحادية عشرة صباحاً .. من سيكون الطارق ؟؟ ! .. فتحت امي الباب وسمعتها ترحب بالطارق بحرارة .. وحين اصغيت .. سمعت صوت طلال وهو يتساءل ( سارة نايمة ؟ ) اجابته امي بحماس ( لا لا .. صاحية شوفها بالصالة ) وحين دخل الى الصالة نظر الي بحنان وهو يبتسم ثم حياني برقة متناهية وهو يقول ( صباح الخير حبيبتي .. اشلونك الحين ؟) اجبته ببرود ( عايشة ) عقد حاجبيه ومازال مبتسماً وهو يقول متعجباً ( عايشة !! .. ليش هالاحباط ؟؟ .. المفروض تكونين فرحانه بالحمل زي أي أم ) نظرت اليه قائلة بتهكم ( وانت شايف اني زي اي أم ؟ ) ادرك ماارمي اليه ولكنه فضل الرد بلباقة ( انتِ احسن واحلى أم ) ... يااا الله .. كم هو عذب كلامه .. كم هي دافئة عينيه .. احساس دافىء ينتابني كلما نظرت اليهما .. سرحت قليلاً وانا افكر واتخيل ان طفلي له عيني ابيه .. سيكون جميلاً بلا شك .. ايقظني من افكاري قائلاً منتهزاً فرصة خروج امي ( حبيبتي .. لازم نفتح صفحة جديدة .. انا مستعد اعوضك عن كل اللي راح ... ولو تامرين على روحي غلفتها وقدمتها هدية بين ايديك ) ولا انكر انني استعذبت حديثه .. واستعذبت اكثر طريقة جلوسه حين قالها لي وهو راكع على ركبته وكفي بين كفيه .. تماماً كما يفعل امراء القصص الرومانسية لاثبات غرامهم ببطلة القصة .. ابتسمت وانا اتخيل زوجي امير ساندريللا وانا بالطبع ساندريللا .. لقد كانت هذه القصة من اروع القصص التي انحفرت في خيالي عندما كنت صغيرة .. حتى انني كنت احلم بحياتها وفارس احلامها ... وحتى حذاؤها !! .. ربما يكون ضعفها امام جبروت زوجة ابيها هو ماجعلني احب هذه القصة ..! فهي قريبة نوعاً ما من قصة حياتي ولكن الفرق يكمن في انها وجدت من يساعدها لتعيش كما تحب اما انا فبقيت ( محلك سر )!! ... ارتسمت ابتسامتي على شفتي بوضوح وانا احلق في عالم ساندريللا .. مما جعله يبادلني ابتسامتي وهو يقول متسائلاً بلطف ( يعني اعتبر سكوتك دليل على الرضا ؟ ) .. نبهني صوته من خيالاتي وشعرت بارض الواقع تحت قدمي .. يا الهي .. كم هي رائعة احلامنا .. يكفي انها تنقلنا حيث نشاء في لمح البصر .. يكفي انها تعطينا كل مانريد .. ويكفي اننا لانبكي ولا نتعس فيها ... يكفينا انها تعطينا المثالية التي نطلبها ولا نجدها على ارض الواقع .. !! آآآآآآه يكفي انني بطلتها الوحيدة ويكفي انها لم تضم خالتي يوماً ..!! نظرت اليه بثبات مجيبة ( اعتقد اننا اتفقنا وانتهينا ) .. تبدلت ابتسامته وهو يقول ( والطفل ؟ ) بدا لي ان عيناه قد لمعتا بالنصر .. لم يرحني هذا التحدي في عينيه فقلت بلا مبالاة ( بعد مااولد راح اعطيك ولدك ) ضحك بتعجب مستخفاً بكلامي وقال ( انتِ كل شي عندك بهالبساطة ؟؟ .. اللي يسمعك تتكلمين عن ولدك بهالشكل يظن انك تتكلمين عن قطعة كاكاو او علبة بيبسي !!! ) نظرت اليه وانا اقول بنفس الثبات ( انا اتكلم بجد .. اذا هالطفل بيجبرني على اني ارجعلك ماابيه ) .. شعرت ان الجملة كانت كافية بالقدر المطلوب لتلجم لسانه .. سكت وقد تغيرت ملامحه .. فقد كنت جادة بالشكل الكافي حتى يفهم انني لا اتدلل عليه وانما غاضبة منه .. وبقوة .. واستطعت ان اقرأ في عينيه ماعجز عن النطق به ... لقد شعر انني لست ضعيفة كما كان يعتقد وانما قوية ... قوية جداً .. اكثر مما ينبغي . دخلت امي وهي تحمل صينية الفطور ... ظل طلال ينظر الي بصمت اختلط بالدهشة والغضب .. وطال السكوت بيننا ... هو ينظر الي وانا احاول جاهدة ان لا اعره انتباهاً ... ثم قطعت امي التي لاحظت ذلك صمتنا قائلة ( افطري حبيبتي ..) والتفتت الى طلال وهي تقول ( يالله ياطلال افطر معها عشان تفتحون نفس بعض ) قالتها وهي تبتسم بارتباك واضح وكأنها قد فطنت لمادار بيننا .. اشار طلال بيده معتذراً ومازال يحملق بي وهو يقول بنبرة غاضبة ( لا مشكورة خالتي .. انا لي فترة نفسي مسدودة عن الاكل .. والحين انسدت اكثر ) ثم استأذن وخرج . نظراته الغاضبة لي جعلتني ارتعش بعد خروجه .. رباه .. شعور غريب انتابني .. كان ممزوجاً بالقلق والخوف .. ولا ادري لِمَ شعرت بالخوف هذه المرة ؟ ... ربما لانه كان جاداً في لهجته .. لقد جعلني اشعر بفداحة غلطتي حين قذفته بهذه الكلمات القاسية .. احساسي بانني اخطأت في حقه او جرحته يؤلمني ... يا الهي .. في كل مرة التقيه اشعر بهذا الاحساس .. تأنيب الضميريعذبني و يقتلني ... ولكنه اخطأ بحقي حين ضربني ولم ينصفني اهلي .. فلِمَ لا انصف نفسي ؟؟؟ ... حينها تلاشى احساسي بالندم .. وحل محله الالم الذي مازلت اشعر به مطبوعاً على خدي منذ ذلك اليوم المشؤوم . قالت امي معاتبه بعد خروجه ( مالك حق ياسارة .. الرجال جاي يجلس معاك ويتطمن عليك تكلمينه كذا ؟؟ ) ... كلماتها زادت احساسي بالندم .. ولكنني كنت متأكدة ان أي كلمة سأقولها لن تقنعها .. لذا فضلت عدم الرد واخذت قطعة خبز صغيرة واكلتها بهدوء .. ادركت امي انه لاجدوى من نقاشي فانصرفت لاكمال بقية اعمال المنزل. في المساء خرجت من غرفتي لاجد امي تتحدث في الهاتف مع شخص آخر .. عرفت حين اصغيت انه .. طلال .. كانت تبدو قلقة وهي تتحدث اليه .. لقد شعرت انها تكاد تتوسله راجية (ياطلال انت عارف انها تتوحم وكل الحريم يصير فيهم كذا مع الوحم .. اسألني واسأل امك .. كبّر عقلك عاد الله يهديك وتحملها شوي ... معليش هذي مهما كان زوجتك وام ولدك ) قطعت حديثها حين جلست قبالتها وانا احدق فيها بنظرات افتعلت فيها الذهول .. كيف تتوسلين اليه ليرضى عني ؟؟ هل انا من اخطأ في حقه ام العكس صحيح ؟؟ !! .. شيء غريب يدور في اذهان اهالينا .. وتفكير عقيم هو مايفكرون به .. فالمهم ان يرضى عنك الزوج ! .. اما انتِ فيجب ان تكوني راضية بكل مايصدر عنه حتى وان اخطأ في حقكِ يجب ان تصبري .. لانه وببساطة هو الرجل .... وانتِ المرأة !!!!!! ثم انني تأكدت من شكوكي اخيراً .. اذاً هذا هو السبب !!! .. الكل يعتقد ان ما امر به مجرد وحم وسينتهي .. !! لقد تناسوا جميعاً ماصدر من طلال في حقي .. !! .. بهذه البساطة ؟؟؟؟ .. اذاً كنت مغفلة حين اعتقدت انهم يروني فتاة قوية .. وكان للاسف تمسكي برأيي زائفاً ...بالنسبة لهم على الاقل .. !!! زفرت زفرةً قوية .. وحدقت بامي بنظرات عاتبة جعلتها تسرع في انهاء المكالمة .. بعد ان وضعت السماعة قالت لي بقلق اختلط بالغضب ( عاجبك هالحين ... طلال زعلان منك .. كل الناس تتوحم مو انتِ بس .. حاولي تلينين شوي والا ترى الرجال ماراح يتحملك اكثر من كذا ) قلت لها وسط ذهولي ( يمه انتِ تعتقدين ان اللي فيني مجرد وحم ؟؟ ... طلال ضربني يايمه قدام كل اهله وانتم تترجونه عشان يرضى عني .. وتطلبون مني اني الين علشان حضرته يرضى !!!!! ... مو معقول يايمه .. وين كرامتي اللي مرغها بالطين قدام امه وابوه وخواته ؟؟ .. يرضيكم اني ارجعله بكل بساطة بعد اللي سواه ؟؟ ... ) نظرت امي لي باستخفاف ممزوج ببعض الدهشة .. فلم تكن تعتقد انني سأرد عليها بهذه الطريقة !! .. فلربما لم تكن تعرف انني بشر خُلق بلسان ينطق ومشاعر لاترضى بأن يعبث احدهم بكرامتها !!! ... نعم ياامي .. آن لكِ ان تعرفي انني بشر من جسدٍ وروح .. ولست مجرد صلصال تشكليه كيفما تشائين !!.. ولكنها امام كل كلامي فاجأتني بقولها وهي غاضبة ( خليكِ زي كذا.. وسوي اللي تبينه .. بس لو جتك ورقة طلاقك لعندك هنا لا تلومين الا نفسك ) ثم نهضت وقررت الانصراف ولكنها ربما فضلت ان تزيد من همي وقلقي قبل ان تنصرف فقالت بلهجة جافة ( طلال كلمني هالحين .. وشكله ناوي على الطلاق .. لانك طلبتي منه هالشي ولانه مو قادر يتحمل تصرفاتك اللي مالها معنى ) ثم تركتني ودخلت الى المطبخ لتحضّر العشاء .. اقلقني حديثها عن الطلاق .. وحتى اكون صريحة فقد غاص قلبي في صدري لمجرد لفظ كلمة الطلاق .. !! .. انا حقاً غاضبة من طلال ولكني لا اريد الطلاق حتى وان صرحت به .. فمجرد الحديث عنه يقلقني .. وقد عجبت لذلك !! .. كيف اطلب الطلاق وارفضه في نفس الوقت !! .. وضعت يدي على بطني وشعرت بانني ارغب بشدة ان اتحدث مع طفلي عن مشكلتي مع والده .. سألته هامسة .. هل ترغب بان ننفصل عن بعضنا ؟ .. هل ترى انني ان عدت الى ابيك سأفرط في كرامتي ؟ .. هل حقاً سأتخلى عنك بكل بساطة بعد ان الدك ؟؟ .. وفجأة شعرت برفرفة بين احشائي .. جعلتني اضم كفيّ الى بطني بقوة ... رباه .. انه يفهمني .. انها اشارة لي تصدر من طفلي .. فماذا يريد ان يقول ياترى ؟؟ .. ابتسمت وانا اتخيل انه يناقشني في مصير حياتي الذي اصبح يشاركني فيه هو .. ووالده . 18) مر اسبوع دون ان يتصل طلال او يسأل عني او عن حملي ... وللحق .. فقد شعرت بالقلق ازاء ذلك ... ماذا لو كان ماقالته امي صحيح ؟؟ ..هل سيطلقني ؟؟؟ ... ياااا الهي .. انني لا استطيع تقبل هذا الامر في خيالي .. فكيف سأحتمله اذا اصبح حقيقة ؟!!!!! .. بدا الاضطراب واضحاً علي مع كل طرقة باب وكل رنة هاتف .. كنت امني نفسي لعل الطارق او المتصل سيكون طلال .. لم اكن طامعة في ان يقدم لي الكثير لأعود اليه .. كان شيئاً واحداً رغبت به بقوة .. وبالتأكيد تعرفون ماهو ؟ ... نعم .. انها امه .. اريدها ان تبتعد عن حياتي .. هي بالتأكيد لن تخرج منها للابد .. ولكنني اريدها ان تفهم ان ابنها قد تزوج واصبح اباً وذا مسؤوليات يجب ان تقدرها .. ولكن هل ستفهم ذلك ؟؟؟ .. لا اعتقد . رباااه ... كم ابدو ضعيفة الآن .. فبقدر ماكنت اتصنع القوة والصرامة امامه .. بقدر مااتمنى ان اراه الآن واواجهه بضعفي دون تصنع .. لم يعد يهمني أي شيء في هذه اللحظة .. حتى كبريائي !.. المهم ان اراه .. او اسمعه على الاقل حتى لو من بعيد ..!!!! بدا لي ان الزمن يتباطأ بالسير ... تعلقت عيناي على ساعة الحائط وساعة يدي .. بل بت اراقب كل ساعات المنزل .. وكأنني اتأكد من مرور الزمن ..! .. مالذي منعه من الاتصال ؟؟ سالت نفسي بقلق .. أهو غاضب مني ؟ .. بالتأكيد هو غاضب .. فلم يكن اسلوبي معه لبقاً ابداً مؤخراً .. وحين رأيت امي وهي تحدثه عبر الهاتف .. كان القلق بادياً عليها بوضوح .. انا متأكدة انها لم تتصنع ذلك لترعبني .. ياا الله .. اسألك ان تمنحني القوة .. فما عدت قادرة على التفكير . قلت لامي متسائلة بقلق وبطريقة ملتوية ( يمه .. طلال ماكلم ابوي عن الطلاق ؟ ) لم استطع مواجهة امي بسؤالي عن طلال نفسه .. فلربما اعتَقَدَت انها قد اثّرت علي بكلامها وهذا مالا اريده .. لذا اقحمت الطلاق في سؤالي حتى انبهها .. او على الاصح .. اوهمها انني متمسكة برأيي ... فمازال خوفي من نزع قناع القوة امام امي قائماً ولا اود ان ازيله .. حتى وان رغبت بقذفه بعيداً عني حين اواجه طلال !!!!!! ولم يكن سؤالي بالطبع عن الطلاق هو ماارنوا اليه .. ولربما احسست بضيق وانا الفظ هذه الكلمة .. فاجأني هذا الشعور .. ولكنه اسعدني كثيراً .. ولا ادري لماذا ؟؟ .. وكل مااعرفه انني ماعدت اطيق الكلام عن الطلاق .. !! نظرت اليّ امي وهي تقول بضيق مكبوت ( اي طلاق ؟.. فال الله ولا فالك .. حنا ماعندنا بنات تتطلق ) ولاول مرة في حياتي يسعدني قرار تتخذه امي لي .. حتى انني ضحكت في داخلي بسرور.. ولكنها لم تجبني عما اريد معرفته.. ففضلت ان اسألها مباشرةً ( زين يمه .. طيب طلال مااتصل ؟؟ ) ( لا ) قالتها وهي ترمقني بنفس النظرات السابقة .. اذاً لم يتصل ولم يأتي .. ازداد قلقي ،، ولكنني طمأنت نفسي .. فلعله مازال غاضباً من طريقتي في الحديث معه مؤخراً وحتماً سيأتي قريباً .. بدا لي ان عودته لي .. شيئاً اكيداً . على الرغم من ارتياح نفسي بهذا الكلام الا انني عشت ليلةً من الأرق وانا افكر في طلال .. كانت الافكار تهاجمني بلا رحمة .. هل غيابه بهذه الطريقة يعني انه لم يعد يحتمل اكثر كما قالت امي ؟؟ .. هل سيطلقني ؟؟ .. وهل سيأخذ طفلي مني ؟؟ .. ازعجتني هذه الفكرة اكثر من غيرها .. حتى انني نهضت فزعة وكأنه قد جاء فعلاً لأخذه ..!!.. بقيت للحظات افكر في طفلي .. فانا التي تنازلت عنه بكل سهولة .. يا الهي .. الا طفلي .. شعور غريب انتابني وانا افكر فيه .. فالرفرفة الصغيرة التي اشعر بها بين احشائي قد حركت في مشاعري الكثير الكثير .. رباه .. مااجمل هذا الشعور .. بدا لي انه شعورٌ يبعث الحياة في كامل اوصال الجسد .. في كل عرق وفي كل نبض وفي كل خلية وعضو .. بل يبعث الحياة في الروح نفسها .. !! فهل يستحق من بعث في كل هذا الاحساس المتدفق من الحنان والامومة والحياة ان اتخلى عن كل شيء من اجله ؟؟ .. لقد ضربني ابوه .. وهذا الشيء آلمني كثيراً .. ولكنه اعتذر .. نعم .. اعتذر كثيراً وانا التي صددته .. هل يعقل ان انهي حياتي معه امام اول ريح تقابلنا ؟؟؟؟؟ انني لا اقوى على التفكير في البعد عنه .. هاأنا ارى بوضوح كيف ان غيابه المفاجىء والقصير يسوقني للجنون .. فكيف لو تركني لبقية عمري !! دارت الافكار في رأسي .. لربما كان الامر اسهل عليّ في السابق .. ولكنه الآن .. يبدو اشبه بالدهليز .. فلا اعرف من اين دخلت او من اين سأخرج .. ولطالما كنت كذلك امام كل مشكلة تواجهني .. اجدني اقف في منتصف الطريق بلا حراك .. لانني لااملك القدرة على التقدم ولا املك الجرأة على العودة من حيث بدأت ..!! طرق مسمعي صوت الأذان معلناً قدوم الفجر .. آآآه كم انا متعبة .. فقد مر الوقت دون ان اشعر.. وانا اتخبط في افكاري التي تكاد تقتلني .. ولا ادري مالعمل ؟؟؟.. نهضت من سريري لأداة صلاة الفجر .. وبعدها خرجت الى الصالة .. سمعت صوت الباب الخارجي وهو يقفل .. كان ابي كالعادة ذاهباً للصلاة .. رحت امشي في الصالة وفي المطبخ وفي ارجاء المنزل كافةً .. طلباً للترويح عن نفسي من اجواء غرفتي الخانقة .. ولاول مرة منذ عودتي لهذا المنزل اشعر باشتياق عجيب لبيتي .. مرّ كل ركن فيه امام عينيّ .. وازداد اشتياقي اليه .. والى طلال ..!! ياااااااه .. طلال .. طلال .. طلال .. انه يسيطر عليّ بقوة .. ولا يمكنني الخلاص منه ... عبثاً احاول الخلاص بتصنع القوة التي انهزمت اخيراً امام حبي المتدفق لهذا الكائن الذي دخل حياتي غريباً مجهولاً .. ولكنه الآن اصبح جزءاً لايتجزأ من روحي !! .. ضحكت بداخلي وانا افكر في القرار الذي اتخذته ورفضته في نفس الوقت .. !! .. كان قراري بالطلاق منه بمحض ارادتي .. ولكن .. حين احسست بدنو تنفيذ هذا القرار وجدتني اتراجع عنه وبشدة .. ولايكمن خوفي منه في ان احمل لقب مطلقة .. بل لم يهمني هذا الامر كثيراً .. فقد كان مايخيفني اكبر من ذلك بكثير .. انه التفكير في الابتعاد عن طلال الى الابد .. ولا ادري لِمَ اشعر نحوه بكل هذا الحب على الرغم من قصر المدة التي عشناها معاً ..!!.. ربما لانني احسست انه من انتشلني من بحر الهموم الذي كنت غارقةً به في احضان امي الحنون !!... تماماً مثل الساحرة الصالحة التي ساعدت ساندريللا لتعيش حياتها .. اذاً قصتي اجمل من قصة ساندريللا .. لان من ساعدني هو اميري وليس شخصاً آخر .. ابتسمت وانا ارى ساندريللا تعود لمخيلتي من جديد لتحملها الى ايام طفولتي الغابرة .. يالها من ايام جميلة .. عشتها بعيداً عن الهم .. او ربما في وسطه ..! ولكنني لم اكن ادرك معناه حينها !! ... بدا لي ان طلال هو الشخص الوحيد الذي جعلني اشعر بقيمة الحياة .. فقبل زواجي منه.. كانت لي حياة مختلفة اشبه بالعزلة والانطواء .. فلم يكن لديّ صديقات بالمعنى الكافي .. كل من عرفتهن كن مجرد جليسات لا استطيع ان اُخرج معهن مافي جعبتي لارتاح .. آآآآه فليسامحكِ الله يا امي .. انتِ من جعلتني اعيش هكذا .. بلا صديقات وبلا طموح وبلا آمال .. وحتى بلا حياة !! ولربما خوفها عليّ هو ما جعلها تعتقد انها كلما ضيقت الخناق فستكون تربيتي اسهل !!! .. ربما ! .. ولكنها اخطأت كثيراً بهذا التفكير العقيم .. لانني بت انفر من كل شيء .. حتى منها !!! ووسط امواج الافكار التي تقاذفتني .. تمكن النعاس مني اخيراً .. فانصرفت الى غرفتي ورحت في نوم عميق . مر النهار بطوله مروراً رتيباً فلا شيء يذكر .. ولم يدر ايّ نقاش بيني وبين امي ... ولم يتصل طلال ايضاً .. يا الهي .. اين هو ؟ .. انني حتى لم اعد اسمع امي تكلمه بعد ذاك اليوم !! .. هل هي خطة يدبرانها هو وامي ؟؟ !! .. فلم اعد استغرب شيئاً ... هكذا حملتني افكاري ولكن القلق يأسرني .. هل اتصل عليه ؟ .. ولكن ماذا سأقول ؟ .. فمن الصعب علي ان اتصل لأسأل عنه .. ماذا سيعتقد ؟؟ .. اووووه .. ماهذا القلق الذي ينتابني ؟ .. ومِمَ انا قلقة ؟؟.. هل انا قلقة من الطلاق ؟؟ .. اهتز جسدي كله حين لفظت هذه الكلمة .. اذاً .. هذا هو مايقلقني .. الآن تأكدت انني لا اريد الطلاق .. او بالاصح لا اريد الابتعاد عن طلال .. الذي اصبح عالمي وكوني وكل حياتي . احسست ان امي كانت تشعر بكل مايخالجني ولكنها تعمدت عدم الكلام معي .. فلربما تجنبها للحديث معي سيخفف من عنادي الذي علمت امي انه اصبح سلاحي مؤخراً .. رفرف طفلي في داخلي .. كانت الرفرفه قوية هذه المرة .. فقد جعلتني انتفض .. مما لفت انتباه امي التي سألتني بدهشة ( بسم الله عليك .. وشفيك؟؟ ) ابتسمت وانا انظر اليها دون ان اجيبها .. ضممت يديّ الى بطني وكأنني اطمئنه .. بأن اهدأ ياصغيري فكل شيء على مايرام .. وامام نظرات امي الحائرة وقفت واتجهت الى الهاتف ... فقد حان وقت العودة . 19) جلست الى جوار الهاتف بنشوة تكاد تشع من عيناي .. بينما ظلت نظرات امي الحائرة تلاحقني دون ان تنطق .. حملت سماعة الهاتف وضغطت على اول رقم .. ولكنني توقفت فجأةً !! .. فقد كان هناك مايحرضني على الغاء هذه المكالمة !! .. لم ادرك ماهو ..! ولكنه شعورٌ داخلي اجبرني على وضع السماعة بعد ان الغى نشوتي وسعادتي بقراري الجديد ... يا الهي .. هذا يعني انني قد اخطىء بهذا التصرف .. ولوهلة شعرت بانني حمقاء .. فسوف يستغل طلال هذا الموقف لصالحه .. هكذا فكرت ! .. سوف يظن انني ضعفت لانه اهملني !!.. فلربما كان متعمداً تجاهلي طوال هذه المدة .. دارت هذه الافكار السوداء في رأسي بسرعة .. اذاً يجب ان اعدل عن قراري .. لانه ليس في مصلحتي .. فالشعور المفاجىء الذي منعني من متابعة المكالمة قد يكون اشارة ما ..! .. تنبهني بأنني سأعود لضعفي ..! شعرت ان كل عضو وكل عرق في داخلي يلومني حتى لا اتخلى عن قوتي ! .. ابتسمت باستخفاف .. قوتي ؟! .. أي قوة هذه التي اوهم نفسي بها ؟ .. نعم .. انها وهم وليست قوة .. وحتى لو كانت قوة .. فلا ارى انني استفدت منها الكثير .. فهذه انا كما انا .. تائهة في بحر الهموم التي تتقاذفني امواجها .. اتكأت على يدي وانا افكر في صمت .. بينما تابعتني امي بكل فضول .. ثم قالت متسائلة ( ليش مااتصلتي ؟!) نظرت اليها بسرعة .. وكأنني قد نسيت وجودها معي في الصالة .. هززت رأسي وانا اقول ( لا .. ولا شي يمه .. مافيه شي ) لم ترحها اجابتي فقامت واتجهت اليّ وهي تردد نفس السؤال بشكل اوضح ( ليش ما اتصلتي على طلال ؟ ) تسمرت عيناي في عينيها للحظات قبل ان اجيب بتوتر ( ماادري !! ) جلست امي الى جواري واحاطتني بذراعها .. ولاول مرة اشعر ان امي تمتلك يداً حانية !!.. وقد اسعدني هذا الشعور وتمنيت لو انه يطول .. قالت بكل حنان ( اسمعيني وانا امك .. اذا كنتِ ناوية تتصلين على زوجك لاتترددين .. صدقيني هذا ابليس يبيلك الشر .. طيعيني حبيبتي واتصلي عليه وكلميه .. راح تشوفين انه طيب ويسامح بسرعة .. بس لو تظلين على عنادك هذا .. راح يطير من ايدك .. وراح تندمين ) نظرت اليها بقلق .. فقد كانت عبارتها الاخيرة مقلقة بشكل كبير بالنسبة لي .. اغمضت عيناي وانا اتخيل نفسي مطلقة وبعيدة عن طلال .. احساس قاتل شعرت به يدب في اوصالي .. _ولكن امه تتراءى لي كلما فكرت في العودة اليه .. عدت انظر الى امي بنفس النظرات القلقة .. بينما فاجأتني بكلامها وكأنها ادركت مايجول بخاطري.. قالت لي بهدوء وكأنها تقاطعني ( ادري باللي تبين تقولينه .. انتِ خايفة من امه .. ياحبيبتي البنت العاقلة تقدر تملك زوجها من غير مايضر احد .. وخصوصاً اهله .. ) .. لقد اجابتني دون ان اسأل ..!!! تابعتها بنظراتي المتسائلة .. ولا انكر انني كنت مستمتعة بكل كلمة تقولها .. بدا لي ان كل حرف تلفظه يشع ببريق عجيب ! .. لم اره من قبل .. !!! .. تابعت امي حديثها بكل هدوء وعقلانية .. لقد اختفت العصبية والصراخ من كلامها .. ولاول مرة اجد امي حنونه بهذا الشكل .. لدرجة رغبت فيها بان لا تتوقف عن الكلام ..! .. قالت وكأنها تطمئنني ( بكرة يابنتي راح تجيبين ولد .. وراح تعرفين اش كثر الولد غالي .. ) ياااااه .. تابعي ياامي .. ارجوكِ لا تتوقفي .. اذاً انا غالية بالنسبة لكِ ؟؟!! .. نعم .. اعلم ذلك .. ولكنني لم اسمعها منكِ يوماً .. كل ماكنت اسمعه منكِ فيما مضى .. تأنيب وتوبيخ وتوجيه .. فقط هذا كل شيء بيننا ... اين اخفيتي عني كل هذا الحب طوال هذه السنين ؟؟!!!!! .. كدت انطق .. اردت ان ابكي واصرخ .. لماذا لم اجد هذا منكِ في السابق ؟ .. لماذا انقطعت كل علاقة تختص بالامومة بيننا ؟؟ .. مدت يدها الى شعري .. كانت تمسح عليه برقة وحنان بالغين .. وابتسامة عذبة كانت تعلوا شفتيها .. اليوم .. اليوم فقط ادركت ان لأمي عينان مليئتان بالحنان .. بل تكادان تتدفقان بالدفء !! .. تابعت حديثها و نصائحها التي اثلجت صدري .. كان يبدو عليها وكأنها تقرأ افكاري .. احساس غريب كنت افتقده فيما مضى .. كنت اتمنى ان تفهمني امي يوماً .. تمنيت ان تشعر بكل مايخالجني دون ان انطق .. تماماً مثل أي أم .. كنت انظر اليها بتأمل .. ابتهلت حتى لايكون مااراه الآن مجرد اضغاث احلام !! .. كانت تجيب على كل تساؤلاتي دون ان أسأل !!!! .. يكفي فقط ان تنظر الى عيناي ! .. اين كان كل هذا يا امي ؟ .. فهذا بالضبط ماكنت احتاجه منك .. لم اكن ارغب في انشاء الصداقات يوماً بقدر مارغبت في ان تكوني صديقتي .. لم اجرؤ على البحث عن الحنان عند غيركِ .. وكأنني واثقة بانكِ تخبئين طاقة من الحنان في داخلكِ .. ولكنني لم ارها يوماً .. او ربما خبأها عني قسوتك في معاملتي فيما مضى !! .. تابعي يا امي بلا انقطاع .. فكلماتكِ تسحرني .. ولمسات يدكِ تغمرني بالسعادة .. عيناكِ يا امي .. آآآآه مااجمل عيناكِ .. مااجمل الدفء فيهما .. ارخيت رأسي ببطء حتى التصق خدي على صدر امي .. شعرت بأن كل شيء في داخلي ينبض .. تراجعت السنين امام عيناي المغلقتين .. عدت طفلة لم تتجاوز الخامسة ... كل شعور بالهم والضيق تلاشى فجأةً امام عواطف امي الجارفة .. وفجأة .. شعرت بالدموع تنزل بلا توقف .. كانت تنزل بلا بكاء .. بلا نحيب .. كان فقط شعوراً بالبكاء ينتابني !! .. احتضنتني امي بحنان .. مدت يديها لتمسح دموعي .. واستسلمت لاحضانها الحانية .. ولاول مرة في حياتي منذ ان ادركت عالمي ... انام في حضن امي !!! لم ادرك متى استسلمت للنوم ومتى اخذتني أمي الى فراشي ؟ .. ولكنني استيقظت على سريري في وقت متأخر .. مرت لحظات وانا افكر .. هل كل ماحصل بيني وبين امي كان مجرد حلم ؟؟؟ .. الم يكن حقيقة ؟؟ .. ارعبتني هذه الفكرة بشدة ... نعم .. فانا لا اذكر متى نمت بفراشي .. !! .. يا الهي ... ايعقل ان يكون حلماً ؟؟؟ .. نهضت من سريري فزعة .. كان يجب ان اتأكد مما حصل .. وما افكر به .. فتحت الباب واتجهت الى غرفة والداي .. بدا لي انهما نائمان فترددت كثيراً قبل ان اطرق الباب .. جاءني صوت امي ( طيب طيب .. جايه ) .. فتحت الباب بعد لحظات لتجدني واقفة امامها .. فقالت بقلق ( سارة .. وشفيك يمه ؟ .. وش اللي مصحيك هالحين ؟؟ ) قلت بارتباك ( يمه .. ممكن اتكلم معاك ؟) خرجت من غرفتها واقفلت الباب خلفها ثم احتوتني بذراعها... كان هذا كفيلاً بتأكيد ماحصل في المساء .. اجلستني في غرفتي على سريري وهي تقول بقلق واضح ( نعم حبيبتي .. وش تبين تقولين ؟ ) يااا الله .. كم هي رائعة امي .. ولا انكر انني تساءلت عن سبب تغيرها المفاجىء وان كنت قد اخفيت هذا السؤال عنها .. فجل مااريده الآن هو ان تستمر بكل هذا العطف المتدفق .. انتشلتني من افكاري وهي تعيد تساؤلها بكل عذوبة ( سارة .. وشفيك حبيبتي ؟ .. وش تبين تقولين ؟ ) اجبتها بتلعثم .. ( ااا .. ما .. ماادري ) فانا حقاً لا ادري ماذا اريد ان اقول .. كل مااردت معرفته وجدت اجابته دون ان انطق .. فحنانها قد اجابني على كل تساؤلاتي .. اذاً كان كل ماحصل حقيقة وليس حلماً .. ازدادت سعادتي .. ووجدتني ابتسم امام نظرات امي الحائرة والحانية .. قلت لها وانا ابتسم ( آسفة يمه .. ازعجتك .. كل اللي كنت ابي اعرفه .. هو متى نمت ؟؟ .. لاني صحيت لقيت نفسي نايمة بغرفتي ) .. بادلتني ابتسامتي بابتسامة اعذب وهي تنحني عليّ لتقبلني ثم قالت ( نمتي على صدري بالصالة .. وماحبيت ازعجك وخليت ابوك يشيلك ويحطك على سريرك .. ) ثم اردفت بحنان ( سامحيني ياسارة ) .. فاجأني قولها .. نظرت اليها بدهشة وقد الجمتني المفاجأة ..!! بينما تابعت كلامها ( ماكنت ادري اني قسيت عليك طول هالمدة .. ماكنتِ تتكلمين اول .. ولا تطلعين اللي بقلبك ) عقدت حاجبيّ .. فلِمَ تقول لي امي هذا الكلام ..؟! .. هل قلت شيئاً ازعجها ؟؟ .. فانا لا اذكر انني تكلمت !! .. ادركت امي مايجول بصدري فقالت بهدوء ( وقت مانمتي على صدري بالصالة .. طلع اللي بقلبك كله وانتِ نايمة .. ماودي اقول وش قلتي .. بس كل اللي ابيه انك تسامحيني .. ) ثم سكتت قليلاً وهي تنظر اليّ .. بادلتها النظرات دون ان اتكلم بينما تابعت كلامها ( .. صدقيني ياسارة .. عمري ما اتمنيت اني اقسى عليك .. كنت اظن اني اربيك صح .. جدتك الله يسامحها علمتني ان الشدة هي اسهل طريقة للتربية السليمة .. يمكن كلامها كان صحيح بس مو بالشكل اللي اتبعته معاك .. كنت اظن اني كل ماشديت عليك راح تخافين مني وتسمعين كلامي .. بس ماكنت اظن انك ماتدرين وش كثر احبك ! .. ايه ياسارة .. انتِ بنتي قبل أي شي .. وانا متأكدة انك تعرفين حبي لك .. لانك بديتي تفهمين معنى الولد وغلاته .. ) تابعتها بصمت .. تمنيت لو ان امي ادركت كل هذا منذ طفولتي .. يااااه .. لقد اضعتِ علينا الكثير يا امي .. ليتني عشت هذه اللحظات منذ زمن .. كنت اشتاق اليكِ بصمت .. ولكنني لم اكن اجرؤ على الاقتراب منكِ .. بل انني كنت اسعد بالفرج والراحة حين تبتعدين عني .. والآن علمتِ انكِ قد اخطأتِ في حقي !.. ولكن هذا لا يهم .. كل مايهمني الآن انكِ ادركتِ خطؤكِ .. وهذا وحده يكفي .. حتى وان كان ادراكك لهذا الخطأ قد جاء متأخراً .. المهم انكِ ادركت هذه الحقيقة . بعد ان انهت حديثها قبلتني وخرجت دون ان تنظر اليّ .. شعرت وكأنها تخبىء عينيها حتى لا اراهما .. لم يهمني كل ذلك .. قذفت بجسدي الى الخلف مستلقية على سريري وانا انظر الى السقف .. شعورُ غريب بالسعادة تملكني .. رباااااه .. كم انت حنون ورحيم .. لقد اعدت اليّ امي بعد كل هذه السنين التي انقضت وانا بعيدة عن حنانها وعاطفتها .. وحتى امومتها !! ارخيت رأسي على وسادتي .. تقلبت كثيراً على سريري فالنوم يهرب من اجفاني من فرط سعادتي .. يا الهي .. كم هو رائع هذا الشعور .. انه ليس شعوراً واحداً .. بل مزيجاً من المشاعر اختلطت في قلبي .. شعوراً بالامان غالبني وارغمني ان ارخي جفناي لانام ... وياله من نومٍ هانىء .. لم اعرفه يوماً . في الصباح .. استيقظت على طرق خفيف على باب غرفتي .. مسحت عيناي وانا اقول بصوت يغالبه النوم ( تفضل ) .. ويالهول مفاجأتي !!!!!!! .. كانت خالتي تقف امامي وجهاً لوجه .. دار رأسي من هول المفاجأة .. واسترجعت بسرعة آخر ليلةٍ وآخر نهار قضيته في منزلها .. يا الهي .. لقد نمت تلك الليلة وانا في قمة سعادتي .. وفي النهار كانت هي السبب في انهاء تلك السعادة... غاص قلبي وانا اتذكر بمرارة ذلك اليوم .. ربااه .. مالذي جاء بها ؟ .. كيف علمت بأنني نمت بسعادة ليلة البارحة ؟؟!!! .. هل كُلِفَت بأن تقتل كل فرحة اعيشها ؟؟ .. وهل ستظل تطاردني بشؤمها كلما اغمضت عيناي باطمئنان وسعادة ؟؟! .. تعلقت نظراتي في وجهها الشاحب المليء بالوهن .. تسارعت نبضات قلبي .. كنت الهث بفزع وانا انظر اليها دون ان اتكلم .. فالمفاجأة قد الجمتني .. ووجها المهموم ارعبني .. رحماك يا الله .. فما الذي تخبئه من شؤم هذه المرة ؟؟؟؟ 20) فاجأتني زيارتها الغير متوقعة لدرجة مخيفة ..! .. غاص قلبي في صدري لما بدت عليه حالها .. فقد كان وجهها شاحباً وعيناها مرهقتان .. ربااه .. مالذي حدث ؟!!.. صحت بهلع وقد تسمرت عيناي بعينيها ( خالتي ..!!) .. اقتربت مني وحيتني ثم قالت معتذرة ( معليش ياسارة .. اضطريت اصحيك من نومك بنفسي .. ولو الموضوع مايستاهل ماتعنيت وجيت ) .. تسارعت دقات قلبي بعنف .. وازداد اضطرابي .. قبضت على بطني حيث يسكن طفلي بلاشعور مني.!! وانا اتساءل بشفتين مرتجفتين ( خالتي .. وشفيه طلال ؟؟ ) .. جلست الى جواري واحتوتني بذراعها مطمئنة ( لاتخافين .. طلال الحمدلله بخير .. ) تنفست الصعداء .. وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن صدري .. يا الله ياخالتي .. كدتِ تقتلينني .. انتظرت للحظات حتى افيق من صدمتي قبل ان أسألها ( وش فيك ..؟؟ وش اللي صار .. ؟ ) ترقرقت الدموع في عينيها وهي تغالب غصة في حلقها .. قالت ( طلال ياسارة .. تغير .. مو طلال اللي اعرفه .. ) تابعتها بعينين قلقتين وعدت اسألها عن طلال من جديد ( وش فيه طلال ؟؟ ) نظرت الي وهي تغالب دموعها ( ماادري ياسارة بس طلال تغير .. حالته من سيء لأسوأ .. ) ثم اجهشت بالبكاء .. نظرت اليها ملياً .. كنت قلقة بشدة على طلال .. ولكن حالة خالتي فاجأتني جداً ..!!! فليست هذه خالتي التي اعرفها .. نعم هي نفس الام الحنونة بشدة على ابنها المدلل .. ولكنها ليست الام المعتده بنفسها !! .. ليست هي خالتي التي تتحكم بكل الامور بيدها .. حتى دموعها ..!! كانت تختلف هذه المرة ..!! كنت ارى بوضوح انها لاتدّعي البكاء ولاتتصنعه .. بل انها حاولت جاهدة ان تتفادى دموعها المنزلقة على خدها دون توقف !!! .. بدا لي انني تناسيت موضوع طلال وانا افكر ملياً وبتأمل في هذه الانسانة التي تجلس الى جواري .. فانا لا اكاد اعرفها ..!!! تغيرت كثيراً منذ آخر مرة رأيتها فيها .. ولأول مرة ارى هذا الكم الهائل من الضعف في عينيها .. اين قوتها ..؟ .. اين سيطرتها ؟؟ .. بل اين جبروتها الذي طالما اذلني وابكاني ؟؟!! .. اين اختفى كل هذا ؟؟ .. لايعقل ان تتبدل بهذا الشكل مالم يكن الامر خطيراً ! .. تابعتها بصمت وهي تكمل حديثها عن طلال .. وصفت لي كم اصبح مهملاً في كل شيء .. في نومه .. في سهره .. في عمله .. في صحته .. وحتى في اهتمامه بها .. فلم يعد يطيق الكلام معها او مع أي شخص في البيت !!!!! .. اذهلني كل ماقالته .. بدت لي صادقة في كل ماقالت .. وحتى دموعها .. لأول مرة تبدوا لي صادقة !!.. يا الهي .. ماذا يحدث لي ؟! .. هل اتعاطف معها بعد كل مافعلته ؟؟ .. هل رق قلبي لها بعد ان اوصلتني لما انا فيه ؟؟ .. لايمكن ان اسامحها بهذه البساطة .. .. بدا لي ان مايحصل بيننا الآن امراً مثيراً .. بل رائعاً ... فها انا اخيراً اجد نفسي وجهاً لوجه مع ام زوجي القوية امام ضعفي فيما مضى .. وهاهي تبدوا الآن اضعف مني .. ولربما ترجوني حتى اساعدها .. ولا انكر ان هذا الاحساس قد اسعدني .. ولكنني كرهت نفسي حين فكرت باستغلال ضعفها .. وخصوصاً انها جاءت لتطلب الغوث مني لمن احب .. ازدادت دموعها وهي تشكوا ابنها المدلل .. الذي تخلى عن احضانها اخيراً .. بدت لي وكأنها فقدت شيئاً ثميناً ومن الصعب استرجاعه .. !! .. هدأت قليلاً ثم نظرت الي وهي تقول راجية ( انتِ الوحيدة اللي تقدرين تأثرين عليه .. ساعدي طلال ياسارة وخليه يرجعلنا مثل اول ..) اذهلتني المفاجأة وانا اسمعها ترجوني .. نعم .. ترجوني !! .. سرحت بفكري في هذه الدنيا .. كم هي غادرة .. ولايمكن لايّ كان الوثوق بها .. فهي تدور بنا بعجلات ايامها .. فحيناً ترفعنا .. وتحملنا عالياً .. عالياً جداً .. حتى اننا نؤخذ بها وننسى انها فانية .. زائلة من هذا الوجود .. ويالهولنا حين تهبط بنا الى .. مانخشاه ..!! .. نبهني نحيب خالتي من شرودي .. فنظرت اليها بهدوء .. حتى نظراتي لها اختلفت اليوم .. شعرت بان كل حقد وغضب في قلبي عليها قد مات امام دموعها اليائسة والراجية .. مددت يدي بتردد لامسح على رأسها محاولةً تهدئتها .. يااااه .. كم انا ضعيفة .. اين قوتي التي تسلحت بها في انتظار هذا اليوم ؟؟ .. لم اكن اتوقع ابداً ان تأتي خالتي يوماً اليّ باكية وهي ترجوني لأعود لابنها ..! كان مجرد التفكير بهذا الامر يحفزني اكثر على زيادة قوتي وصرامتي .. بل تمنيت لو اكون قاسية كالحجر .. لأتمكن من رد كرامتي التي سلبتها مني .. قد يظن البعض انني مبالغة بكل مااقول ومااشعر .. ولكن هناك بالتأكيد من يفهمني جيداً .. ويدرك بوضوح كل ما اعانيه .! ولدهشتي .. فقد وجدت ان كل ماكنت اشعر به حيالها يتبدد ويزول ..! .. وحقيقةً لا اعرف لماذا ؟!!! .. ولكنها اثارت في داخلي مزيجاً من المشاعر المتضاربة .. وما ادهشني اكثر .. ان كل مشاعري كانت تخلوا تماماً من كل حقد وكره لها ..!!!! كانت مطرقة برأسها وهي تبكي بهدوء .. رفعت رأسها وتبادلنا النظرات .. كان وجهها غارقاً بدموعها .. قلت لها وانا اطمئنها ( لاتخافين .. ) فاحتضنتني بحنان بالغ .. ربما يكون ماحدث لطلال هو ماجعلها تتغير بهذه الصورة .. وربما ستعود فيما بعد لما كانت عليه .. ولكنني لا ابالي الآن الا بدموعها .. فما اصعب دموع الام !!! .. اعرف انني ابدوا غبية وانا افكر هكذا .. فلو انني قلت ان همي الاكبر الآن هو استعادة زوجي .. لكان تفكيري سليماً ومنطقياً في نظر الكل !! .. ولكن شيئاً في داخلي اجبرني على التعاطف معها .. !! .. ولربما كان جنيني الذي ينمو كل يوم في احشائي هو الدافع لتصرفي الغريب .. نعم .. اعلم ان تصرفي غريب .. والاغرب من هذا كله .. ان خالتي التي شعرت في يومٍ ما انها عدوتي .. هي الوحيدة التي استطاعت التأثير على قلبي وعقلي ..!! فقد تمكنت من تغيير قراري بلا تردد .. ابتسمت في داخلي وانا افكر بكل الامور الغريبة التي حدثت من حولي .. فكل شيء اختلف في هذين اليومين !!! .. ارتفعت نظراتي الى الاعلى .. يا الهي .. كم انت رحيم .. احمدك يا الله على كل مافعلته من اجلي .. ثم نظرت الى خالتي وقلت لها بحنان ( خلاص خالتي .. انتِ روحي هالحين وان شاءالله مايصير الا كل خير ) قبلتني بحرارة ثم ابتسمت وهي تمسح دموعها مودعة وخرجت من غرفتي . مااذهلني هو ان امي لم تتدخل بكل ماحصل اليوم ..!! .. فلم اعتد منها ذلك ! .. نهضت من سريري واتجهت الى امي التي كانت تودع خالتي امام باب المنزل .. انتظرت حتى غادرت خالتي ثم سألت امي ( تدرين ليش جت ؟؟ ) هزت امي رأسها بالايجاب .. سألتها عن رأيها بفضول .. فاجابتني وهي تهز كتفيها بابتسامة هادئة (والله انتي عارفة مصلحتك زين .. هذا زوجك وابو ولدك .. ومو انا اللي اعرفك قيمته عندك ) ثم انصرفت وتركتني اتبعها بنظراتٍ حائرة ... مر ذلك اليوم بطوله وانا افكر في طلال .. ليس الغريب في هذا .. فمنذ ان افترقنا .. لم يعد لي هم الا التفكير به .. ولكن الامر بدا لي مختلفاً اليوم .. !! .. فطريقتي في التفكير به تغيرت !! .. وكل مابت اتمناه وارجوه .. هو ان استعيد طلال .. كل من وما حولي يدفعني للعودة اليه .. ولكنني كلما تذكرت خالتي وحديثها وبكاءها .. يزداد قلقي .. فكل ما اخشاه الآن هو ان لا يكون قد فات الاوان . الأخيرة ) في سكون الليل .. جلست وسط سريري في غرفتي .. كنت افكر كثيراً هذه الليلة .. فهناك امور كثيرة تغيرت في حياتي في هذين اليومين !! .. فقط في هذين اليومين !! كنت افكر بشكل مغاير فيما مضى .. اما الآن .. فكل شيء تغير .. حتى افكاري !! قفز وجه خالتي الباكي الى ذاكرتي من جديد .. سبحان الله .. قلتها في نفسي وانا ابتسم .. فحتى اطلالتها هذه المرة قد اختلفت ..! .. ففيما مضى كنت اشعر برجفة في قلبي كلما تراءى لي وجهها .. بكل تعابيرها .. حتى ابتسامتها كانت تضايقني .. اما اليوم .. فالوضع مختلف تماماً !! .. فهاهو قلبي يخفق بشدة كلما تذكرت دموعها وهي تبكي بين ذراعيّ .. رباااه .. من كان ليصدق ان ذلك سيحصل يوماً !! .. وهاقد حصل .. كان خوفي منها وضعفي امامها يجعل مجرد تصوري للامر مستحيلاً !!!! وهذا مايحيرني في امرنا نحن زمرة الضعفاء ..!! اننا لانرى العالم من عدة زوايا .. فدائماً يوجد ركن واحد ننزوي فيه بخوف من المستقبل .. من المجهول .. ومن كل شيء يحيط بنا .. حتى احبابنا !!! .. وهذا للاسف .. هو مايجعلنا لا نرى ابعد من زاويتنا .. فلا نعتقد يوماً .. ان العالم يتجدد من حولنا .. وكأننا ننسى ان قلوبنا جميعاً بين اصبعين من اصابع الله .. وان كل شيء يتجدد بين عشيةٍ وضحاها !! خفق قلبي بشدة حين عدت بذاكرتي لسبب بكائها .. يا الهي .. هل الامر بذلك السوء الذي تحدثت عنه خالتي .. شعورٌ غريب كان يتملكني حيال هذا الامر .. ومزيجاً من المشاعر تسيطر على قلبي وعقلي .. رباااه ساعدني .. فلم اكن يوماً حائرةً كما انا اليوم !! .. هل اعود اليه بنفسي ؟؟ .. ولكن ماذا ستكون ردة فعله ؟؟ .. هل سأكبر في عينيه ؟؟ .. ام سيدوس على كبريائي بقدميه ؟؟ .. لن اسامح نفسي وقتها .. لانني انا التي عدت اليه بمحض ارادتي !! .. ولم انتظر ان يأتيني راكعاً ويقبل يدي ورأسي .. هكذا فكرت .. ولكن كان هناك مايحثني على الاعتراف بحقيقة مافي داخلي .. فليس ذلك حقيقة ماكنت اشعر به .. ربما لانني اعرف كم هي كريمة اخلاق زوجي الذي لم يسىء لي يوماً .. كانت غلطته الوحيدة والتي حاول ان يكفر عنها بشتى الوسائل هي تلك الصفعة .. والتي رددتها له صفعات من خلال تصرفاتي الفضة معه .. اذاً .. ماذا انتظر ؟؟ .. كان هذا الاعتراف حافزاً عظيماً جعلني اقفز من سريري وانطلق الى حيث الهاتف .. نعم .. لم اعد ابالي .. فقد اضعت الكثير من ايام عمري ولن اضيع دقيقةً اخرى مجدداً .. فيكفي ماضاع مني من سنين ..!! شعرت بحماس كبير يدب في اوصالي .. كانت اصابعي تسابق بعضها لترفع سماعة الهاتف حتى اتصل بطلال .. شعرت وكأنني اسابق اللحظات قبل ان يأتي ماقد ينغصها ويمنعني من اتمام ما عزمت عليه .. يا الهي .. انني احاول جاهدةً طرد كل الافكار التي تحرضني على ترك الهاتف .. وحينما ضغطت على الارقام .. مرت لحظات وكانها ساعات بل سنين ثقال .. وانا انتظر ان اسمع صوته الذي منعني كبريائي المزعوم من ان املأ اذنيّ وجميع حواسي بعذوبته .. هاهي الافكار الخبيثة التي لازمتني شهوراً تودعني وهي تجر اذيال الهزيمة .. حتى ان اجابتي له بمجرد ان جاءني صوته لم تكن غير ( الحمدلله ) ..!! وكأنني اودع حملاً لطالما اثقل كاهلي .. وعذبني بقسوة .. ردد قولي وكأنما ادرك ما اشعر به ( الحمدلله .. ) ابتسمت .. فلم اعد ارى حزنا اوهماً من حولي .. فقط انا وهو .. يا الله ما اجمل هذا الاحساس .. الاحساس بالحرية .. نعم .. فكم اشعر بحريتي الآن .. بعد ان فككت كل قيودي .. نعم .. قيودي التي صنعتها بافكاري العقيمة .. جاءني صوت طلال من جديد ( هلا سارة .. اشلونك ؟ ) كان صوته هادئاً جداً .. وكنت ارى بخيالي ان لا ابتسامة على شفتيه ! .. رباااه .. اقلقني صوته .. اجبته ( توقعتك راح تسأل عني وعن ولدك .. ) صمت قليلاً قبل ان يجيب ( مااعتقد ان هالشي يهمك لدرجة انك تتصلين في هالوقت .. ) صدمتني اجابته ونبرة السخرية في صوته .. اردف متسائلاً ( هاتي من الآخر ياسارة .. وش عندك ؟؟ ) وددت وقتها ان انهي المكالمة ولكن شيئاً ما كان يحثني على الصبر .. فلطالما صبر هو عليّ وعلى تصرفاتي التي لامبرر لها .. زممت شفتي بشدة ثم قلت وانا اغالب غصة في حلقي ( واذا قلتلك اني اتصلت عشانك انت بس .. راح تصدق او لا ؟؟ ) تنهد بعمق ثم اجاب ( تبيني اصدق انك اتصلتي عشاني !! .. ) ثم ضحك بسخرية شديدة تمالكت نفسي على اثرها حتى لا اصرخ واضيع كل ماتبقى من حياتنا وقلت ( اسمعني طلال .. يمكن اكون غلطت في حقك .. بس مااعتقد انك تلومني على اللي سويته ) .. واصل اسلوبه المتهكم في الرد قائلاً ( لا طبعاً .. مالي حق الومك لانك تتوحمين ) نفذ صبري فقررت ان انهي المكالمة قائلة بعصبية ( انا آسفة اني اتصلت .. الظاهر كنت غلطانه يوم فكرت مجرد التفكير اني اكلمك .. ) وحين اردت ان اضع السماعه جاءني صوته عالياً ( لحظة .. ) وضعت السماعة على اذني من جديد .. فتكلم بجدية هذه المرة متسائلاً ( ليش اتصلتِ ؟؟ ) اجبته بضيق ( قلتلك .. ) ( عشاني ؟؟ ) بانت السخرية في لهجتي انا هذه المرة وانا اجيب ( الجوال اللي في ايدك بإسم مين ؟؟ .. بإسمك والا بإسم جاركم ؟ ) بدت منه ضحكةً خفيفة .. ذاب فيها كل الجليد من حولي .. بادلته ضحكته بابتسامة ثم قلت متسائلة ( وينك الحين ؟ ) .. ( في بيتنا ) .. سالته من جديد ( اهلك نايمين ؟ ) ( ماادري ) .. دهشت لاجابته فكيف لايعرف ماذا يفعل من حوله في المنزل ؟؟ .. فاجابني ( انا اقول لك في بيتنا .. مو بيت اهلي .. ) فتحت فمي دون ان اعي بدهشة .. ثم قلت متفاجئة ( بيتنا ؟؟ ) جاءني صوته يقول بعذوبه ( ايه .. بيتنا ) ساد بيننا صمت مطبق للحظات .. قطعه هو قائلاً ( كل يوم اجي هنا .. من وقت ما اصحى المغرب لين قرب الفجر .. وبعدين ارجع لبيت اهلي ) سالته بدهشة ( وليش تروح لبيتنا كل يوم ؟؟ !! ) تنهد من جديد وهو يجيب ( ادورعليك ..! ) تفاجأت اكثر ( تدورعلي !! ) .. ( ايه ياسارة .. ادورعليك .. تقدرين تقولين عني مجنون .. بس هذي الحقيقة .. كل يوم اجي لبيتنا وادور عليك .. حسيت اني فقدت شي عزيز في ظرف لحظة .. اجي لبيتنا اناظر في كل زاوية وركن جلستي فيه .. اشوف اش كثر صارت حياتي موحشة وانتِ مو فيها .. التجربة اللي مريت فيها هذي خلتني احس اني مو بس احبك .. لا .. انا مااشوف للدنيا معنى من غيرك .. ) ربااااه .. مااجمل ماقال .. اهو شعر ؟! .. ام نثر ؟! .. بدا لي انها من اروع ماقيل واحلى ماسمعت منذ ان وعيت في هذه الحياة .. اصغيت بهدوء لحديثه العذب .. يا الهي .. الآن فقط .. رأيت القوة بكل ماتعنيه من معنى .. نعم .. انها قوة المشاعر .. فلربما هزم الشعور كل قوة مرئية في هذا العالم !! .. زدني ياحبيبي من عذب شفتيك .. فقد زال كل ماكان في قلبي عليك .. آآآآه كم اهواك ياطلال .. كم هي رائعة قوّتك .. في وسامتك .. في عذوبتك .. في صبرك .. في كلامك .. وحتى في قسوتك .. ( يا الله ) .. قلتها وانا اصغي الى حديثه .. شعرت بحسرةٍ في اعماقي .. لانني فقط اضعت اياماً بل ساعات .. بل لحظات لم ارشف فيها من معين عينيه وشفتيه .. آآآه ما اقسى العناد .. فكم اضاع علينا اجمل اللحظات .. قلتها له فاجابني ( ماضاع علينا شي حبيبتي .. ) ثم اردف مازحاً ( وش رايك اجيلك هالحين وآخذك على بيتنا عشان تدورين علي وادورعليك ..) ضحكت بقوة .. وشعرت بشوق للضحكة التي حرمت نفسي منها طويلاً .. واختلطت دموعي بضحكتي .. نظرت حولي الى منزل اهلي .. فكل شيء فيه كان يلوح مبتسماً .. كل شيء كان يودعني .. حتى الممر المؤدي لغرفتي كان يودعني مبتسماً .. فلا رابط بيننا بعد اليوم .. ولم يعد لي مكان هنا .. وهاقد حان وقت الرحيل .. اعادني صوت طلال الى الواقع الجميل الذي اعيشه عبر هذه اللحظات وهو يسألني .. ( وش رايك ؟ ) اجبته بدلال ( منتظرتك .. لا تتطول ) ثم انهينا المكالمة . لم اخبر والديّ عما عزمت عليه .. ولم يخبر طلال والديه .. ربما كان تصرفاً احمقاً ماقمنا به .. ولكنه احساس جميل .. بل اجمل مما قد اصف .. جاء طلال واخذني الى بيتنا .. نعم .. فما اجمل بيتنا .. لم استطع ان انام هذه الليلة .. فقد بكيت وبكيت .. بين ذراعيّ طلال .. ربااااه .. كم اشتقت اليه والى ذراعيه .. بدا لي ان كل العالم محصوراً بين هاتين الذراعين .. مسح طلالدموعي برقة .. اخبرني اننا لن نفترق يوماً .. واحتضنني بعذوبه .. حتى نمت .. وياله من نوم .. يا الهي .. لا اعتقد انني استطيع ان اصف احساسي به .. لذا ساترككم تسبحون في خيالاتكم فلعلكم تستطيعون ان تصلوا الى مالم اصل اليه .. وآآآآآه .. ما احلى الرجوع اليه .. ( وانتظروني في لقاء قادم مع قصة جديدة ) (الحقوق محفوظةلنبع الحنان) [كاتب القصه:نبع الحنان] =============== لمزيد من القصص تجدوها في موقع دنيا الألماس http://www.s12345.wapka.mobi/ ===============